نظرية (المُخَلِّص)

  • 141

نظرية "المخلص" أو مفهوم الفرد الأوحد الذي تنفرج به الكربات وتحل به الأزمات: هي تلك النظرية التي بنى عليها النصارى عقيدتهم في عيسى عليه السلام، فهو الذي حرر من آمن بصلبه _زعموا_ من الخطيئة الأولى وأدخله الملكوت، وهو الذي يشفيهم ويبرئهم ويحيي موتاهم؛ ومن أجل ذلك كان تقاعسهم عن العلم والعمل في دولة الكهنوت وعصور الظلام، بل حتى إن التطبب والتداوي خطيئة عند من استمسك بدينه منهم .

وبنى عليها كذلك الرافضة عقيدتهم في المهدي رضي الله عنه حتى جعلوه "منتظرًا" ليقتل العرب ويمثل بأبي بكر وعمر، فعطلوا كل آيات الجهاد، بل عطلوا عقولهم في إدراك كذب رؤوسهم المضلين في كافة ما يشرعون لهم.

ويستحضر بهذه النظرية نفسها كثير من المسلمين أمجاد صلاح الدين وقطز والعز وابن تيمية متباكين على أحوالنا ومتكاسلين ومتغافلين عن إيجاد مثل هذه الشخصيات وأنهم هم بإمكانهم أنفسهم أن يكونوا مثلها، أو حتى مساهمين في نشأتها وتربيتها وهم في ذلك يؤصلون عمليًا لفقه التواكل والانهزام النفسي.

إن الوعي المجتمعي لكثير من المجتمعات على مر العصور ظل يتربى على أحادية البطولة وفردية المشاهد منذ أيام فرعون ثم عنترة وأبي زيد الهلالي وحتى بعد الإسلام وإلى يومنا هذا يردد كثيرون: أين عمر؟! بالرغم من أننا نوقن أننا في مجتمعٍ لازال لا يستطيع أن ينجب شعرةً من عمر!.

لقد حرص القرآن على إبراز الدور الجماعي للبطولة وتصدر مشاهد التغيير الحقيقي في جل آياته التي يخاطب بها جموع المؤمنين "يا أيها الذين آمنوا"، وكذلك في ذكره وثنائه على مجموع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مثل قوله تعالى :"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم"، وعلى هذا نقيس ذكره استعانة موسى بهارون، واختياره سبعين رجلًا لميقات ربه، وذكر القرآن للحواريين ....إلخ ، وهو ما يؤكد المسئولية الجماعية على المجتمع كله عن الإصلاح.

وقد رسخ الفقه الإسلامي مفهوم جماعية القيادة من خلال فقه الإمامة ومؤسسية أهل الحل والعقد التي بنيت ابتداءً على طرق الصحابة رضي الله عنهم في اختيار خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم والذين كان ثانيهم عمر رضي الله عنه الذي كان يجمع أشياخ بدر في الملمات ليؤصل عمليًا لهذه الجماعية ، بل وفطن إلى خطورة فهم الناس لأحادية البطولة وتعلق القلوب بشخص خالد رضي الله عنه فعزله عن قيادة الجيش.

إن الوعي المجتمعي في العالم الإسلامي لازال احتياج إلى أن يتشكل على مفهوم أن القائد الكفء لا يأتي نجدةً من السماء دون بذل وعناء بتربية أجيال يؤمل في أن يخرج من بينها هذا القائد، ثم هذا القائد لا يكون فردًا بذاته يصلح الأرض وحده وإنما يتحرك وفق منظومتين قويتين قيادية ومجتمعية نبراسهما "وتعاونوا على البر والتقوى".