إبراهيم الذي وفى

  • 151

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد :

إن قصَّة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - من أروع القصص القرآني التي نستطيع أن نقف معها، ونُبيِّن منها الدروس والعبر للدعاة في كل زمان .
ذلكم النبي الكريم إمام الحنفاء وأبو الأنبياء وأول من بنى البيت الحرام، وقد جعل الله النبوة في ذريته من بعده فلم يرسل نبي بعده إلا هو من نسله، وكم في حياة هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم من عبر وآيات وفوائد وعظات وأسوة وقدوة للخلق أجمعين، وكان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين، لذلك نأخذ من حياته مواقف نأخذ بها عظيم لطف الله علي عباده ونقول وبالله التوفىق إبراهيم الذي وفى.
فقد قال تعالى { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } [النجم: 37]؛ أي: بلغ جميع ما أُمر به.
- إبراهيم الذي وفى.. في الصدق، فقال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا } [ مريم: 41]، قال ابن كثير - رحمه الله -: كان صدِّيقًا نبيًّا مع أبيه كيف نهاه عن عبادة الأصنام، قال صاحب الظلال: لفظة "صدِّيق" تحتمل أنه كثير الصِّدق، وأنه كثير التصديق، وكلتاهما تُناسِب شخصية إبراهيم.
- إبراهيم الذي وفى.. قد ذكر الله عز وجل آيات تبين للأمة كيف كان هذا الوفاء، والاستسلام لله عز وجل من إبراهيم عليه السلام فقال العلي العظيم: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [البقرة: 131].
فعلم البشرية كلها كيف كان الاستسلام وكيف كان الوفاء لله عز وجل وطاعته فيما أمر.
- إبراهيم الذي وفى: قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124].
أتم ما عليه لله عز وجل فعلم البشرية كيف كان الوفاء والسمع والطاعة لله عز وجل .
- إبراهيم الذي وفى: أمره الله أن يدعوا الناس إلى توحيد الله، وترك ما يعبدون من دون الله وأعطاه الرشد وفتح عليه بحب هذا الدين فكان قال تعالى : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120] فعلم البشرية معني الوفاء لله عز وجل.
فعاش سيدنا إبراهيم حياة مليئة بالمواقف والابتلاءات فكان أمة، قابل هذه الابتلاءات بالصبر والرضا والاستمرار في الدعوة إلى الله ومن ذلك لما تمني الولد فقال : { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100]، وكان كبير السن فرزقه الله الولد فعلم البشرية معني الصبر والرضا علي الابتلاء والرضا بقضاء الله تعالى.
أمرهم بالتوحيد، نهاهم عن الشرك، وعبادة الأصنام، قال تعالى: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) } [الأنبياء: 66، 67]، فجمعوا له حطبا عظيما وأشعلوا فيه النار، وألقوه فيه، فجاءه جبريل إل إبراهيم وهو في الهواء، وقال يا إبراهيم ألك حاجة، إن إبراهيم يعلم أن جبريلَ مرسلٌ من عند الله، وأن اللهَ هو الذي أرسله، وأنه لن يأتي أبدًا بغير أمرٍ من الله، ومع ذلك كله قال إبراهيم أما إليك فلا، أما إلى ربي فنعم حسبي الله ونعم الوكيل فقال رب النار : { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 69 - 70] . الله الذي خلق النار غير طبيعتها من أجله عبده الصالح، النار التي تحرق وتدمر وتقتل، قال لها الذي خلقها كوني بردًا وسلامًا.
التوكل الحقيقي على الله تعالى، وحقيقة التوكل، وعظمة التوكل ( إن إبراهيم كان أمة )..
الله أكبر، الصبر على البلاء في سبيل الله، اعمل لدين الله ولو كنت وحدك، قال تعالى : {أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17] .
فعلينا أن نقوم بحق الله علينا، ونحقِّق فينا صفات الخيرية التي وصَفنا الله بها في كتابه العزيز؛ قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [ آل عمران: 110]، وقال أيضًا: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ آل عمران: 104] .
ادع إلى الله واصبر على ما أصابك، انشر التوحيد وانه عن الشرك، واصبر على ما أصابك، ابذل الخير للناس واصبر على ما أصابك .
وبعد أن رزقه الله الولد بعد ثمانين عام، أمره الله أن يضعه مع إمه هاجر في أرضٍ صحراء جرداء لا ذرع فيها ولا ماء، ولا أنيس ولا جليس، فتعلقت به هاجر لمن تتركنا، كررتها ثلاثًا، ثم قال آلله أمرك بهذا، فقال نعم، فقالت إذا لن يضيعنا .
فلن يضيعنا الله يا أهل مصر، أبدا طالما أننا نتعلق بما عنده بعد الأخذ بالأسباب .
قمت البلاء والعناء، بعد ثمانين عامًا يكرمه الله بالولد، ويأمره بمفارقته .
طاعة عمياء لله تعالى، فقال سمعنا وأطعنا، فهل قلنا نحن لأوامر الله سمعنا وأطعنا .
وانظر إلى البلاء الأعظم، بعد أن شب إسماعيل ورآه يافعًا فتىًا قويًا، شابًا جلدًا، جاءت الرؤية بذبح سيدنا إسماعيل في قوله: { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102] .
انظروا إلى عظيم البلاء والفتنة، ولكنه استجاب لربه لأن رؤيا الأنبياء وحي، فاستجاب إسماعيل لأبيه إبراهيم، وأعانه على تنفيذ أوامر ربه، فلما صدق الرؤية فداه الله بذبح عظيم فقال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 103 – 107] .
فعلم إبراهيم الأمة معني التضحية في سبيل الله حتى لو كانت علي حساب أمواله وأبنائه سبحان الله لذلك قال عنه الله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]، فأصبحت سنة أبيكم إبراهيم كما قال النبي وهي الذبح أول أيام عيد الأضحى، والتي تسمي بالأضحية، وهي عمل صالح وقربة يتقرب بها المسلم إلى الله جلا وعلا، وهي في هذه الأيام المباركات أيام العشر يشتري المسلم فيها نفسه ولنا وقفة مع الأضحية.
وفى إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - عبرة، فهل وفىنا بحقِّ الله علينا؟!
وصلاة الله وتسليمه على جميع الأنبياء المرسلين