جهاد العايش: فلسطين تعيش حالة انقسام.. وأدعو المخلصين أن يضيعوا الفرصة على المتربصين.. حوار

  • 1748
م. جهاد العايش آل عملة مدير مركز بيت المقدس الفلسطيني للدراسات

مدير مركز بيت المقدس لـ "الفتح"

الشعب الفلسطيني يعيش حالة انقسام فريدة من نوعها

أدعو المخلصين من أبناء وطني أن يضيعوا الفرصة على المتربصين

مشاريع الأمة لا يقوى على حملها فصيل أو جماعة مهما بلغ شأنها

أغلب العاملين للقضية بحاجة إلى تأهيل

قال المهندس جهاد العايش آل عملة، مدير مركز بيت المقدس الفلسطيني للدراسات، إن الشعب الفلسطيني في الداخل يعيش حالة من الشتات والانقسام، وهي حالة فريدة من نوعها.

وأكد العايش على أن حالة الانقسام الداخلية هذه تؤكد بلا شك على ضعف القضية برمتها، وقوة العدو الصهيوني، مشيرًا إلى أن العاملين لنصرة القضية الفلسطينية يحتاجون إلى إعادة تأهيل من جديد.

وإلى نص الحوار:

- هناك حالة من الانقسام داخل البيت الفلسطيني.. كيف بدأت وإلى أين وصلت؟

نعم، يعيش الشعب الفلسطيني في الداخل حالة انقسام فريدة من نوعها، ولم يُر لها نظيرًا ولا مثالًا سابقًا، بل هي مخالفة لما كان عليه المجاهدون الأولون في عملهم الجهادي، كالشيخ عزالدين القسام وعبدالقادر الحسيني في الجهاد المقدس, ولا في عملهم السياسي في "الهيئة العربية" التي كان يرأسها المفتي الحاج أمين الحسيني، والتي كانت مظلة تجمع الأطياف الفلسطينية تحتها.

- وكيف تعامل القادة الأوائل في احتوائهم للمشهد؟

لقد تعامل القادة الأولون من العلماء المجاهدين المتعقبين للاستعمار مع جماهير الشعب بوعي كامل دون الانحياز إلى جماعة دون أخرى، فهذا الشيخ العلامة الجزائري عبدالحميد بن باديس يؤسس جمعية العلماء المسلمين عام 1930م من مختلف المناطق الجزائرية، ومن شتى الاتجاهات الدينية وموظفين من الحكومة, وكانت انطلاقة الفكرة من نادي الترقي، وكانت هي النواة التي أسسها لمواجهة المستعمر الفرنسي.

وعلى طريقته سار تلميذه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي المتوفى عام  1965، وقد أسس هو والشيخ الطيب العقبي 1961م "الهيئة العليا لإعانة فلسطين"، والتي أصبحت فيما بعد "الهيئة العليا لإغاثة فلسطين" التي ضمت العديد من الاتجاهات، وأوفدت 100 مقاتل إلى فلسطين, فضلًا عن كتابة الإبراهيمي العديد من البرقيات لجهات دولية ومحلية، ناهيك عن سيل من المقالات في مجلته "البصائر" لنصرة فلسطين.  

- وماذا عن مصر في هذا التوقيت؟

كان في مصر الشيخ العلامة محب الدين الخطيب المتوفى عام 1969م، مُلهم الشباب، ودينامو الدعوة السلفية –العامة- في مصر –إن صح التعبير-, فقد أسس جمعية النهضة العربية في إسطنبول وكان عمره 20 سنة، وأسس لها فرعًا في دمشق, وفي القاهرة تعرف على جمعية الشورى العثمانية، وكُلف بتأسيس فرع لها في اليمن، وكل هذه المؤسسات كانت تستوعب طاقات الأمة على اختلاف مشاربها لتواجه الخطر المحدق بها والذي جثم على صدورها، فكانت الحكمة تقتضي أن تستنفر الأمة بأسرها لصد العدوان عنها، فمشاريع الأمة لا تقوى عليها إلا الأمة، وليس فصيل أو جماعة مها بلغ شأنها.

وأما الشيخ علال الفاسي, العلامة السلفي المغربي المتوفى 1974 أسس جمعية "القرويين لمقاومة المحتلين" كان قائد المغاربة والثورة لمقاومة المحتلين الفرنسيين، طورد وهرب وتنقل بين كثير من الدول، وكان يدعو لاستقلال المغرب عن فرنسا وسُجن في زنزانة, أسس وترأس "حزب الاستقلال", الذي كان يجمع أطيافًا من المجتمع التقت كلمتهم جميعًا على طرد المستعمر، وله مشاركات كبيرة في قضايا المسلمين ومنها فلسطين، حتى أنه توفي في مؤتمر في رومانيا ينافح فيه عن قضية المغرب والصحراء الكبرى ونصرة الفلسطينيين وحقهم في مقاومة الصهاينة. 

هذه أمثلة مقتضبة من سيل جرار من النماذج التي يعجز أن يستوعبها حوار مقتضب كهذا, من علماء أدركوا حقيقة الخطر وحجمه، وأدركوا أن الأمة هي المعنية بالتجييش ومقاومة المعتدي على البلاد والعباد، وأن الأمر ليس منوطًا في حزب أو جماعة بعينها ومهما علا شأنها.

ولعلي في مساحة ضيقة أتحدث فيها على الموقف الشرعي في التعاطي مع الآخرين والذين هم يشاركوننا همّ الجهاد والتحرير، وما هي المساحات التي ينبغي أن نلتقي عندها.

- وما هي هذه المساحات المشتركة التي ترى أنها من الممكن أن تكون سببًا في لمّ شمل البيت الفلسطيني؟

أظنها على ضربين: الأول: هم من كانوا خارج العمل الإسلامي ومنهجه كالعلمانيين ونحوهم، وتسعنا معهم دوائر متنوعة منها دائرة العروبة والعرق والجنس والجيرة والوطنية وأسباب حماية ما نشترك فيه جميعًا، وإقامة العدل فيما بيننا في التعاون, وما يلزم ذلك من تسيير الأمور الحياتية أو العلاقات المشتركة.

فقد جاء في السُنة المطهرة ما يعزز ذلك من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حِلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت"، يومها كان النبي –صلى الله عليه وسلم- ابن عشرين سنة، وهو ما عُرف بحلف الفضول, وكان سبب هذا الحلف أن رجلًا من أهل اليمن قدم مَكَّة ببضاعة فاشتراها رجل من بني سهم فَلوى الرجل عُنُقه، فَسَأَلَهُ مَاله؛ فَأبى عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ مَتَاعه، فَأبى عَلَيْهِ، فَقَامَ على الحجر فنادى بالناس لنصرته.

- وما القسم الثاني؟

الثاني: هم مَن كانوا يعملون ضمن الإطار الإسلامي، فيسعنا فيهم أمر الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان}، وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وقوله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وغيرها من نصوص تأمر وتحض على وحدة الصف والتعاون ونبذ الفرقة.

وأقول: لو انشغلنا فعلاً في الواجب المطلوب منّا لقضية فلسطين، لشغلنا ذلك عن كثير من المعارك الجانبية، ولو أنا أدركنا أهميتها وأهمية الرسالة التي نحملها لأدركنا أننا نعبث، وأننا أضعنا البوصلة، واكتشفنا حقيقة ما نحن فيه من "وهم" و "سراب" اسمه سُلطة, ولا أقصد من تهوين المسائل المختلف عليها، أو الاستخفاف بها، فهي مشاكل حقيقية ومعضلة في آن واحد, لكنني هنا أدعو المخلصين من أبناء شعبي ومن العاملين لقضية فلسطين في العالم الإسلامي إلى المهم، وإلى أن يصرفوا أوقاتهم إلى ما يخدم القضية.

- وما الذي تنصح به العاملين لصالح القضية الفلسطينية من أبناء فلسطين وغيرها من العرب والمسلمين؟

أولًا: جهود توعوية، وهي تعني العمل على التوعية بأهمية الأرض المقدسة "فلسطين" من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية، ومن التاريخ، حتى نصل بها إلى رأي عام، ولا أقول إلى تيار فكري، لأن قضية فلسطين يلتقي فيها الكثيرون، لكن يلزم لها أدوات التوعية، وهي الفكرة والمعلومة من خلال صناعة المنابر والوسائل لنهضة مشروع تجديدي على مستوى الأمة. 

ثانيًا: تأطيرية، وذلك بصناعة المنابر والأوعية التي تنظم البرامج، وتحشد الجماهير كمراكز الدراسات واللجان والجمعيات والمبرات، والاتحادات والنقابات، وكل أنواع التحالفات والتجمعات، وإليكم بيت القصيد؛ فالكثير من العاملين لقضية فلسطين فاتهم أن يعيدوا النظر في أنفسهم، وأن يعيدوا صياغتها وتكوينها لتكون مؤهلة لقيادة مشروع مقدس, ففاقد الشيء لا يعطيه، وأنهم ينبغي عليهم أن يتحلوا بصفات ربانية تؤهلهم لقيادة هذا المشروع, وفي ظني المتواضع أن أغلب العاملين لقضية فلسطين غير مؤهلين وأنهم بحاجة إلى تأهيل.

وصاحب المهمة هذه يجب أن تنطبق عليه الصفات والخصائص التالية: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء, حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس". 

- وهل يشترط أن يكونوا في بيت المقدس؟

طبعًا لا يشترط أن يكونوا فقط في بيت المقدس، كما قال الإمام النووي –رحمه الله-، بل ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض.

والحديث يضاعف البشارة والمسئولية، ويوضح ما نرمي إليه من مواصفات ينبغي أن تكون في سفراء الأرض المقدسة, وهو تنبيه بالمسئولية وخطورتها وتبعات العاملين لأجلها.

- وما هي هذه المواصفات التي ترى ضرورة التحلي بها للحريصين على نصرة القضية الفلسطينية؟

إننا اليوم بحاجة إلى وقفة جادة لا مجاملة فيها، وذلك من خلال إعادة النظر في العاملين لهذا المشروع ومدى أهليتهم ومطابقة الشروط آنفة الذكر, وإليكم هذه الشروط،: 

أولًا: أن تكون متمسكة بالحق ظاهرة عليه، كما جاء في الحديث: قال صلى الله عليه وسلم: "منصورين"، وقال صلى الله عليه وسلم: "على الدين ظاهرين"، أي واضحين في حجتهم، وأصحاب حجة قوية ومنصورة على أعدائهم، معلنين دعوتهم بوضوح وصراحة، ليست قائمة على التقية أو المجاملة أو المصلحة الخاصة، متجردة، ومتمسكة بالمظهر والجوهر، آخذة بمبادئ دينها بقوة، وأنهم معروفون بمنهجهم وطريقتهم وظهور حجتهم على غيرهم وانتصارهم على الدوام  للحق, ليكونوا مؤهلين للغلبة والتمكين, وقد يكونوا أفرادًا أو جماعات هنا وهناك, ومنهم من يبعثه الله –تعالى- مجددًا على رأس كل مائة عام, كما أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".  

والشرط الثاني: هو أن تقاتل على الحق، كما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يقاتلون على الحق"، وقال صلى الله عليه وسلم: "يقاتلون على أمر الله"، وهذه حقيقة ولب انشغالها، فقتالها لله وبالله لا لمصلحة حزبية ولا لأهداف دنيوية ومكاسب شخصية.

ثالثًا: "طائفة مخذولة من الناس"، هم وأتباعهم قليلون، وخذلانهم من قومهم وغيرهم هو سيد الموقف في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يضرهم من خذلهم"، وفي رواية: "لا يبالون من يخالفهم"، وفي رواية: "ظاهرين على من ناوأهم "، لأن عامة الناس لا يقوون على مصابرة ما عندهم من حق، ولا يطيقون انصراف الناس عنهم فيتولى عنه القريب والبعيد.

رابعًا: هي طائفة لا تنقطع عبر الأزمنة، طائفة موجودة على الدوام وعبر الأزمان غير منقطعة، موجودة أفرادًا وجماعات هنا وهناك في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال" وقال: "إلى يوم القيامة"، ابحث عنها تجدها في كل مجالات الدين، في باب الجهاد أو العلوم الشرعية بأبوابها أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

- وماذا عن مكانهم؟

هذه هي الخامسة: "مركزية مكانهم"، فقد قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: إن مكانهم "في الشام"، وقال: إنهم جهة "أهل الغرب"، وقال: "في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس"، فبيّن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنهم في منطقة مركزية، وهي بيت المقدس وأكنافها هي عنوانهم ومحل إقامتهم ولن يخلو زمان منهم.