قدر وأمل

  • 234
بقلم سلمى منصور

قدر وأمل

بقلم سلمى منصور

لقد مرَّ على وطننا الحبيب زمانٌ عصيبٌ توالت فيه المفجعات التي أدمت قلوبنا، وسلبت منا بسمتنا، وأرقت ليلنا، وأظلمت نهارنا. 

أصبح منّا من يسب الوطن، وصرنا نتبادل الإشارة بأصابع الاتهام لبعضنا، ولا يظن أحدنا أن له من هذا الاتهام نصيبًا، هذه الأقدار تُنبهنا وتحيي في عقولنا تلك الحقيقة التي تناسيناها وأغفلناها.

حقيقة دائمة لا تزول وهي "أنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة"، حقيقة ذكرها الله في قرآننا العظيم، تعددت الآيات فيها لتؤكد على مضمون واحد وهو أننا نحرم ونبتلى بالذنب نصيبه، قال بارئنا ومنزل شريعتنا: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

وبيّن لنا أن الأمة ما حُرمت التمكين ورغد الحياة وما أهلكت إلا بذنوبها: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ}.

فالحقيقة الدائمة التي لن تزول هي: أنه مهما تعددت وسائل الهلاك وتعددت المسببات فهناك سبب أولي وهو ذنوبنا وتخلفنا عن ديننا ومبادئه، التي ما دعت يومًا إلا إلى الصدق والإتقان ودحر الفساد والحرص على العباد والبلاد.

صار منّا من يجاهر ربه بالمعاصي، أصبح شعار فئات من شعبنا -في نشر الفساد والرذيلة في أمتنا- وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. 

ولكن الأمل لن ينقطع، مادامت عقيدتنا أن يبدأ كل منا بنفسه، وأن يعلن توبة لربه نصوح، يتندم فيها عن كل ذنب أصابه، وكل عمل لم يرض الله فيه، وما دام أهل الإصلاح باقين على عهدهم بالتواصي فيما بيننا بالخير، وإيمانهم بأن خيرية أمتنا كانت بإيماننا وبهذا التواصي قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه}.

فلتغمض عينيك قليلًا ولتنظر إلى وطنك في زمن راعى كل منّا حق الله –عز وجل- فيه، وأدى كل منا واجبه، وتواصينا فيما بيننا بالإصلاح والإتقان وكان في ذلك يتنافس المتنافسون، فهل رأيت أجمل من هذا الوطن! والله لو فعلنا لصارت مصرنا أرغد الأوطان.

فهذا وعد مالك الملك سيق لنا على لسان نبيه -نوح عليه السلام- إذ قال لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (*) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (*) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}.

استغفروا ربكم من كل ذنب، استغفروا ربكم من كل مبدأ تخاذلتم عنه، ومن كل عمل قصرتم فيه، ومن كل فساد زرعتموه في مؤسسة، استغفروا ربكم من كل قيمة همشتموها.

وبهذا الوعد يبقى اليقين بأنه مهما كان القدر سيظل القلب ينبض بالأمل.