نيويورك تايمز: الخروج صرخة غضب وإحباط أطلقها ملايين البريطانيين

  • 38
أرشيفية

قالت صحيفة النيويورك تايمز "إن توقع الكارثة ليس كوقوعها، مؤكدة أن كل ما قيل وكُتب عما قد يحدث إذا ما صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي لا يساوي الصدمة والارتباك اللتين شعرت بهما بريطانيا والعالم يوم الخروج (الجمعة)."

ونوهت الصحيفة –في افتتاحية السبت- عما "كان يتوقعه الكثير من المعلقين والسياسيين والبيروقراطيين ورجال الأعمال من أن البريطانيين، رغم التشكك حيال أوروبا والتخوف من آثار الهجرة، سيجنحون عند التصويت إلى اختيار البقاء في مكانهم المناسب في الصفوف الأولى من العالم الغربي."

وأضافت الـنيويورك تايمز "لكن شيئا مغايرا للتوقعات هو ما حدث؛ فعلى الرغم من تحذيرات معظم المؤسسات السياسية والاقتصادية في بريطانيا وأوروبا وأمريكا، إلا أن ملايين الناخبين في أنحاء بريطانيا رأوا أن المقامرة على مجهول خطير هي أفضل من البقاء على حال يشعرون فيه بفقدان السيطرة... لقد كان الأمر بمثابة صرخة غضب وإحباط من أكثر من نصف ناخبي البلد ضد من يملكون السلطة والثروة والامتيازات سواء في حكومتهم أو في بروكسل أو ضد قوى كونية في عالم شعر هؤلاء الناخبون أنه يتجاهلهم."

ولفتت الصحيفة إلى أن "التبعات كانت فورية، إذ انخفض الجنيه الاسترليني إلى أدنى قيمة له منذ عام 1985 كما عانت الأسواق هبوطا، فيما أعلن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون -الذي كان قد دعا في لحظة خانه فيها ذكاؤه إلى هذا الاستفتاء كحيلة للتعامل مع مشكلات سياسية في حزبه (المحافظين)- أعلن أنه سيستقيل."

ورأت الـنيويورك تايمز أن "الوضع الآن يتطلب مجهودات قيادية ضخمة عبر مؤسسات مالية وسياسية في بريطانيا وعلى جانبي الأطلنطي للتعامل مع وضع تخيّم عليه سحابة كثيفة من الضبابية الاقتصادية وعدم اليقين... ولن تكون المهمة سهلة في ظل سيادة حال مشابهة من عدم اليقين على الصعيد السياسي في بريطانيا وما تموج به أوروبا من أزمة لاجئين وما تعانيه أمريكا من عام انتخابات مضطرب."

وقالت الصحيفة "على الصعيد العملي، يتمثل الأثر الرئيسي للتصويت في أن بريطانيا يتعين عليها الشروع في عملية فصْل نفسها من السوق الأوروبية المشتركة، متبّعة في ذلك التدابير المنصوص عليها في البند 50 من معاهدة لشبونة... غير أن هذا لم يحدث أبدا من قبل ومن المؤكد أن الأمر سيحفل بالكثير من التعقيدات أمام بريطانيا والاتحاد على السواء."

ونبهت الـنيويورك تايمز إلى أن "حزمة ضخمة من اللوائح الداخلية في بريطانيا هي قائمة على أساس قواعد الاتحاد الأوروبي ومن ثمّ ستحتاج إلى مراجعة ... في الوقت نفسه، الاتحاد الأوروبي هو شريك تجاري أساسي لبريطانيا وسوف تبرز أسئلة لا حصر لها عن شروط مشاركة بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة... ومن المرجح ألا تنتهج كل من ألمانيا وفرنسا نهجا مترفقا مع بريطانيا، ولو لمجرد إثناء الدول المتشككة بالقارة من الاقتداء بالمملكة المتحدة... وسوف تتطلب كل خطوة بالمفاوضات موافقة 27 دولة عضوة بالاتحاد الأوروبي."

ورجحت الصحيفة أن "الحكومة البريطانية ستعاني مشكلات خاصة بوحدة البلاد؛ حيث ستعمد كل من اسكتلندا وأيرلندا الشمالية إلى تقييم الوضع الراهن وحساب مميزات البقاء في المملكة المتحدة مقابل خسائر فقدان العضوية في الاتحاد الأوروبي... على أن هذه المشكلات الفورية لا تعكس حتى الآن مدى ضخامة الأسئلة المتعلقة بالفرضيات والمبادئ التي ظلت تشكل أساس الطريقة التي تنظر بها بريطانيا وأوروبا إلى أدوارهما عالميا."

وأوضحت الـنيويورك تايمز مشيرة إلى أن "ضربة التصويت البريطاني وقعت في وقت تتعرض فيها مؤسسات أوروبا ووحدتها لاختبار صعب متمثل في أزمة الدين اليوناني وموجات اللاجئين الوافدين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا... وعلى الرغم من أن بريطانيا لم تنضم ذات يوم إلى الحدود المفتوحة للاتحاد ولا إلى العملة الموحدة، إلا أنها طالما كانت قائدا لأوروبا الغربية، وحصنا للقيم الديمقراطية وللنزاهة الاقتصادية والموثوقية العسكرية ... ما يحدث الآن للوحدة الأوروبية في مواجهة تحديات من روسيا أو الشرق الأوسط – هو أحد أسئلة عديدة مفتوحة."

وتساءلت الصحيفة قائلة "وماذا لو أن بريطانيا أظهرت ميلا للتوجهات القومية والمناهضة للعولمة والرافضة للهجرة؟ ماذا عن الحركات الشعوبية المستشرية في أنحاد دول أوروبية أخرى؟ هل ستعمل هذه السابقة البريطانية على تشجيع تحركات أخرى رافضة للأجانب، بما يُضعف جبهة الاتحاد المتبقي؟ وماذا سيكون الأثر على مصداقية حلف شمال الأطنطي الآن وقد أظهرت قوة عسكرية أوروبية بارزة – أظهرت عزوفا عن المشاركة في الشئون الأوروبية؟"

وعلى الصعيد الأمريكي، رأت الـنيويورك تايمز أن "ثمة سؤالا متعلقا بما إذا كان نجاح الناخبين من أنصار الخروج –وهم مشابهين لأنصار دونالد ترامب كونهم مدفوعين بالإحباط والغضب- بما إذا كان هذا النجاح يمثل نذيرا بفوز ترامب بالرئاسة الأمريكية؟"
واختتمت الصحيفة قائلة "هذه هي الأسئلة التي تتطلب التفاتا عاجلا من القادة الأوروبيين والأمريكيين خلال الأيام والأسابيع المقبلة... وحتى الآن ليس ثمة ما يدعو للذعر، على أن التبعات المرعبة لخروج بريطانيا قد تظهر فيما بعد... المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية في الغرب تتميز بالقوة والمرونة، ومع الوقت ستتكيف هذا المؤسسات مع الواقع الجديدة، لكن لا ينبغي أن يكون هنالك أي مجال للتوهم: سيكون واقعا مختلفا جدا."