البخاري وصحيحه الجامع (2) المولد والنشأة

  • 510
1

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- باتباع سنته بعد ما بيَّن فيها الدين خير بيان، فاهتم الصحابة -رضي الله عنهم- بنقل سنته -صلى الله عليه وسلم- وحمْلِها أينما رحلوا، وبلَّغوها لفظًا وسمتًا، وتلقاها التابعون، واعتنوا بحفظها ونقلها، ثم زاد الاهتمام بتدوينها.

وفي تلك المدينة البعيدة "نيسابور" وفي مجلس مبارك من مجالس رواية السُّنة، يقول إسحاق بن راهوية (228هـ) لتلاميذه: "لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"؛ فقيض الله لهذه المَهَمة شابًّا عالي الهِمة، محبًّا للسنة، وهو: أبا عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه الجعفي مولاهم البخاري -رحمه الله-، فشمَّر عن ساعد الجِد، ورحل من بلاده في أقصى الشرق، فأتي العراق والحجاز والشام ومصر، ثماني عشرة سنة، سمع مِن القرين ثم رحل إلى شيخه ليعلو سندًا وشأنًا، يجمع ويفتش ثم ينتقي ويدوِّن، ليخرج أصح كتابٍ بعد كتاب الله -تعالى-.

وسمَّى البخاري كتابه: "الجامع الصحيح المسند من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه"، ومِن يوم أن أبرز البخاري كتابه، تلقته الأمة بالقبول؛ فكم مِن شارح لأحاديثه، أو مترجم لرجاله، أو مستنبط لفقهه، أو دارس للغته، أو مستدرك عليه، أو متعقب له، أو مستخرج عليه، أو مختصرٍ له! وما زال إلى يوم الناس هذا مادة ثرية للدراسة.

فمَن هو البخاري؟

هو: أبو عبد الله (كنيته)، محمد بن إسماعيل (وأبوه لم يُعرف بالعلم؛ إلا أنه كان محبًّا لأهل العلم، كتب عنه البخاري في تاريخه أنه رأى حماد بن سلمة، وصافح عبد الله بن المبارك، وقال عنه: إنه لمَّا حضرته الوفاة قال لمَن حوله: لا أعلم في مالي دينارًا فيه شبهة حرام)، بن إبراهيم جد البخاري المغيرة (جد أبيه، وهو أول مَن أسلم مِن أجداد البخاري) بردزبه (جد جده وكان مجوسيًّا ولم يسلم، وكلمة بردزبه كلمة تعني المزارع بلغة هذه البلاد)، الجعفي مولاهم (نسبة إلى أبو اليمان الجعفي والي بخارى الذي أسلم على يديه المغيرة فنسب إليه ولاءً)، البخاري (نسبة إلى مدينة بخارى بدولة أوزبكستان، تجاور نهر زرافشان).

ولد البخاري -رحمه الله- يتيمًا عام (194هـ)، قال محمد بن أحمد بن الفضل البلخي: "سمعت أبي يقول: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره، فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل -عليه السلام-، فقال لها: يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصره لكثرة بكائك، أو كثرة دعائك -شك البلخي- فأصبحنا وقد ردَّ الله عليه بصره!".

وطلب البخاري العلم مبكرًا، وأظهر فيه نبوغًا كبيرًا.

وهذا ما نستعرضه في مقالٍ آخر -إن شاء الله تعالى-.