نظرة الإسلام للمال

  • 297
1

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فقد بيَّن الله -سبحانه- في كتابه أن المال خير، فقال -سبحانه-: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (البقرة:180)، وقال: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (العاديات:8)، فسمَّى المال خيرًا.

وهو مِن عطاء الله ونعمه (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (النور:33)، وأنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ابتلاءً لعباده؛ لينظر مَن يشكر، ومَن يكفر.

٢- والشريعة حثت على التكسب للنفقة على النفس والأهل والولد، وها هنا سؤال لا بد مِن طرحه وبيانه: هل الشريعة رغبت في الفقر أو مدحته؟

نستطيع أن نقول مطمئنين: بالطبع لا؛ وإلا ما استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفقر، وقال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْفَقْرِ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، وقال: (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ) (متفق عليه).

وكثير مِن سادات الصحابة كانوا كأبي بكر الصديق، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير، وغيرهم -رضي الله عنهم أجمعين-.

وأما حديث: (يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ نِصْفِ يَوْمٍ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح)؛ فهذا مواساة لهم وتعويضًا من الرحمن الرحيم -سبحانه- على ما عانوه في الدنيا من الضيق والحرمان؛ وليس لأن  الفقر  مطلوبًا أو محبوبًا في ذاته، ومثاله: ما يثاب به المريض والمبتلى من رفع الدرجات وحط الخطايا، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسأل ربه العافية، وعلمنا الرقية والدعاء بالشفاء، وأمرنا بالتداوي.

ولقد عالجت الشريعة مشكلة الفقر بالأمر بإخراج الزكاة وكفاية المحتاجين، والأمر بإطعام الجائع وفك العاني، وغوث الملهوف، وعون المحتاج، والتيسير على المعسر، وإقراض المقرض، وغير ذلك من الأوامر الشرعية التي فيها تكافل وتراحم بين الخلق.

 يقول علي -رضي الله عنه-: "إن الله افترض في أموال الأغنياء ما يسع الفقراء، ولن يجهد الفقراء إلا بمنع الأغنياء، وإن الله سائلهم عن ذلك"، ومَن يستمع إلى أرقام الأموال المتداولة في البورصة والأسهم والبنوك، والتجارات المختلفة؛ يدرك مدى فداحة الظلم الواقع بمنع الزكاة والبخل بها؛ مما يؤدي إلى تألم  الفقراء والمحتاجين، وذلك يساهم في انتشار الجريمة وعدم الأمن.

ولقد حثت الشريعة على السخاء والبذل، ووعدت بالخلف على المنفق (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ:39)، وحذرت من البخل والشح (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) (محمد:38).

وأمرت الشريعة بحفظ المال وعدم إضاعته، وحرَّمت أكله بالباطل (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) (البقرة:188)،

وحجرت على السفهاء والمجانين والصغار حتى لا يتلفوا الأموال (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) (النساء:5).

وهناك جملة من الأوامر الشرعية في حفظ الأموال كالأمر بكتابة الدين، وأخذ الرهن عليه، بل إن أطول آية في كتاب الله هي آية الدين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) (البقرة:282).

ومشروعية الضمان والكفالة، وادخار المال للورثة، خاصة إذا كان قليلًا؛ فإنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وهذا من محاسن هذه الشريعة الكاملة التي تأتي بما يوافق العقل السليم، والفطرة السوية.

فإذا علم المسلم ذلك، وأن المال مال الله، وأنه مستخلف فيه؛ لم يتصرف فيه إلا بإذن مالكه الأول ربه ومولاه -سبحانه-، فلا يتعامل بالربا والغرر، والميسر والرشوة، ولا ينفقه فيما حرَّمه ربه -سبحانه- في الخمور والرقص، والخنا والموسيقى، والغناء المحرم، وكان حريصًا أن يتخذ من هذا المال  ذخيرة عند الله باستعماله في البر والإحسان وصلة الرحم، والصدقات "والصدقة الجارية خصوصًا"، ونصرة الدين ونشر العلم، وهذا مِن اعظم الأمور أجرًا عند الله، وشكر لنعمته أن يستعمل ماله في نصرة دينه ونشره.

 نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته، ويستعملنا في نصرة دينه.