كيف نواجه المؤامرة؟!

  • 436

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن وجود مُؤامَرة في دول منطقة الشرق الأوسط العربية والإسلامية تستهدف تحقيق الفوضى فيها -تنتهي بتقسيمها إما إلى دويلات، وإما إلى مناطق نفوذ متصارعة لا استقرار معها- صار أمرًا مُستَيقَنًا لا يَشك فيه عاقل، ولا يَتردد فيه مُتابِع.

كان الأمر مُعلَنًا منذ أكثر من عقدين من الزمان، وشهدنا تحقيقه في عدة دول، مثل: سوريا، وليبيا، واليمن، وقبلها العراق، وما زال المخطَّط مستمرًا ليَنال مِن الدول التي لا تزال قائمة -مثل مصر والسعودية- وذلك من خلال وسائل عديدة، سياسية وإعلامية واقتصادية ومنظمات مجتمعية، من خلال اختراق مؤسسات الدول وطوائف المجتمع لنشر أفكار متناقِضة تزيد مِن الثغرات داخل المجتمع، وتجعل مساحات المصالح المتشابكة بين فئات المجتمع تتباعَد؛ ليتكون تصور لدى بعض الفئات بأن مصلحتها وأهدافها لن تتحقق إلا بالقضاء على الفئات الأخرى أو قهرها واستعبادها إن لم يمكن إبادتها.

وهذا التصور لدى هذه الفئات يتم مِن خلال طرقٍ متعددة؛ منها: ما هو ديني بتغذية أشد الأفكار شُذوذًا وعُنفًا بطريقةٍ مباشِرة: كالسماح لهم بمصادر تمويل عالية، ومساحات على الأرض متروكة؛ تسمح بتكوين دويلات مُؤقَّتة تستوعب المهاجرين الراغبين في الجهاد -في ظنهم-، والذين سمح لهم بالمرور بالآلاف، إلى أن يتم القضاء عليهم وعلى دولتهم المزعومة، لكن تظل الأفكار المدمِّرة للمجتمع من التكفير واستباحة الدماء والأموال والأعراض -باسم قتال المرتدين الذين هم عندهم جنود الدولة التي يعيشون فيها، ومَن يُتهمون بموالاتها!-؛ مما يُسبِّب شرخًا خطيرًا يُستعمل في تمزيق المجتمع؛ فضلًا عن الدولة.

ومِن ذلك في الناحية الأخرى: يتم تشريع العلمانية شديدة التطرف في محاربة الدين والسخرية منه؛ من عقائده وقِيَمه ورموزه؛ ابتداءً من الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، وتَوَسُّطا بأئمة الفقه والحديث، وانتهاءً بالعلماء والدعاة المعاصِرين، ومُحَارَبة الهوية الإسلامية للأمة مِن أساسها، ومحاولة سَنِّ التشريعات المُصادِمة لقواطع الشريعة؛ كمساواة الذكر بالأنثى في الميراث، وإلغاء تجريم الزنا، وإباحة الدعارة، والسماح بزواج المسلمة من الكافر، وغير ذلك؛ مما يزيد الشروخ داخل المجتمع، ويقوي جماعات التكفير، وذلك كله مُقدِّمة للصدوع داخل الدولة ذاتها.

ومِن الناحية الاقتصادية والمالية: يتم تعميق الفوارق بين الطبقات؛ إلى أن يصير الناس بين الغنى المُطغِي والفقر المُنْسِي، وكلاهما مِن شر الفتن؛ كما استعاذ منه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ) (متفق عليه)، وكلما ازداد الأغنياء غِنىً ازداد الفقراء فقرًا، ثم يَطلب الأغنياء بأموالهم السُّلطة إلى جانب المال؛ فتترسخ معاني القهر والظلم والاستعباد المُقَنَّع؛ والذي يؤدي بعد ذلك إلى الفوضى والتخريب.

فإذا أضفنا إلى ذلك: مظاهر البذخ والتَّرَف المرتَبِط بارتكاب الفواحش علانيةً، وفتح أبواب الشهوات المُحرَّمة "مِن نساءٍ وخمرٍ، وقمار ومَيْسِر ورِبا"؛ كانت النتيجة حتمية: شيوع الكراهية بين الأغنياء والفقراء المحرومين الذين لا يستطيع أبناؤهم أن يجدوا أساسيات الحياة -فضلًا عن الحياة الكريمة-؛ وهذه الكراهية بين الطبقات شرخ هائل في المجتمع يُهَدِّد بتَصَدُّع الدولة بعد حين، كما أن التَّرَف المقترِن بفعل المُحَرَّمات سبب للتدمير من عند الله، قال -تعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء:16).

ومِن جهة أخرى: في البلاد التي توجد فيها أقليات أو تعدد طائفي -سواء كان دينيًّا أو مَذهبيًّا أو عِرقيًّا- يتم تشجيع الاقتتال والاحتراب، وفتح باب التسليح الخاص بالطوائف، إلى أن يتم إشعال الحروب الأهلية التي تنتهي بانقسام الدولة تقسيمًا تامًّا، كما هو الحال في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وهو تحت الرماد في دول أخرى.

فما المخرج من هذه المؤامرات الفظيعة التي نراها عيانًا وليست من نسج التحليلات والاستنتاجات؟!

فنقول:

أولًا: لا بد من زيادة الوعي والعلم؛ لأن مَن يستجيب لداعي التخريب والفوضى، ويتم استعمالهم في تمزيق بلادهم هم مَن غاب وعيُهم وقَلَّ عِلمهم، وخاصة حُدَثَاء السن الذين لم يَشهدوا التجارب السابقة في الفوضى ولا قرأوا التاريخ ليتعلموا منه دروس سقوط الدول، ومفاسد ذلك الهائلة على الشعوب، والصعوبة البالغة في إعادة البناء بعد الهدم -وليس كما يتصوره البعض في شهر أو شهرين-، بل ربما ظل عقودًا من الزمان، وربما لم تقم الدول مِن أصلها.

وأهل العلم بالدِّين، وكذا أصحاب الأقلام والإعلام -الذي لم يعد مقتصرًا على القنوات والإذاعات؛ بل وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت في المقام الأول-؛ كل هؤلاء عليهم دور كبير لا بد في تأديته من التعاون لا التخاصم، والتكاتف لا الصِّراع، والحب لا الحقد والحسد والبغض، وتنفس الهواء الصحيح، والبُعد عن أمراض الانحراف والبدعة والغلو في أي من الطرفين.

والتربية والتعليم في كل المراحل ضرورة أساسية لصلاح المجتمع.

ثانيًا: لا بد مِن بذل الجهود الصادقة لتقليل الفوارق بين الطبقات، وتحميل الأغنياء أعباء الإصلاح الاقتصادي دون الفقراء والطبقة المتوسطة، والاهتمام بالإنفاق في مجالات الإنتاج لا الاستهلاك، وتعظيم قيمة العمل لا اللهو واللعب والكسل، كما حذر أبو الدرداء -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ورُوي نحوه مرفوعًا: "أَتَبْنُونَ مَا لا تَسْكُنُونَ، وَتَجْمَعُونَ مَالا تَأْكُلُونَ؟!" عندما رآهم يتسارعون في البنيان.

ولا بد مِن تجنيب البلاد المزيد مِن الديون الربوية التي لا تجلب إلا الفقر والخراب، وتأكل خدمتُها معظم الناتج القومي؛ فتدخل الأوطان في دائرة مفرغة من الدَّين والفقر والعوز لا تخرج منها.

ولا بد مع ذلك من ترتيب الأولويات لتقديم الضرورات والحاجات لعامة الناس على التحسينيات التي لا تتحقق إلا لفئة محدودة للغاية منهم.

ثالثًا: لا بد من فتح المجالات أمام الدعوة الصحيحة إلى الله، خاصة أمام الشباب؛ فإن الدعوة صمام الأمان، ومحور ارتكاز الاستقرار، وسببٌ ضروري للحفاظ على كيان المجتمع وهويته، وإبعاد أسباب الانهيار عنه، من العقائد الفاسدة: كالإلحاد والخرافة والبدع، ومن الأخلاق السيئة: كنشر الفواحش والشذوذ، والظلم والعدوان، وتعذيب الناس، ومِن الأعمال: كترك الفرائض وارتكاب المحرمات، والبغي؛ فبدون دعوة مخلصة لوجه الله لا تريد من الناس جزاءً ولا شُكورًا، لا يمكن الحفاظ على المجتمع.

والمنهج السلفي الصحيح النقي أفضل مَن يقوم بهذا الدور؛ لأنه يقوم على البناء لا الهدم، والتعمير لا التخريب، والعلم لا الجهل، ويقوم على مُحارَبة البدعة ونشر السُنَّة؛ فتحارَب بدع التكفير والتخريب في المجتمع، وهو يقوم على الحِلم لا على التهور، والتناصح المأمور به -والتناصح أساس في ذلك-، قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ) (رواه مسلم).

خامسًا: لا بد مِن توسيع دائرة الحوار والتشاور، قال -تعالى-: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى:38).

وكذلك لا بد من فتح أبواب العمل الخيري التطوعي؛ للمُساعَدة في كفاية الفقراء، ومُعالَجة التدهور في الطبقات الكادحة، ومَن انضم إليها ممَن كان سابقًا مِن الطبقات المتوسطة.

فهل آن لنا أن نواجِه الخطر؟!

الله المستعان.