الفساد (20)

  • 1102

فساد المحليات (2-3)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كثر الكلام عن الفساد في المحليات في العقدين الأخيرين، وما يترتب عليه مِن إهدارٍ لموارد الدولة، وتفاقم المشاكل والظواهر السلبية في المجتمع.

ومما اشتهر في ذلك الأمر: تصريح "زكريا عزمي" -وهو وقتها رئيس ديوان رئيس الجمهورية في نظام مبارك البائد- في مجلس الشعب (البرلمان) بأن الفساد في المحليات في مصر (وصل فيها للركب)، ومطالبته للحكومة ولوزرائها بمحاربة الفساد في المحليات (راجع: كواليس الفساد في برلمان مبارك، للكاتب محمد المصري، ص 119).

وكان الرئيس الأسبق مبارك قد أعلن في برنامجه الرئيسي في انتخابات الرئاسة الأخير له أن اللامركزية هي منهج الحكم في مصر، كما تضمن مؤتمر الحزب الوطني الحاكم وقتها ورقة حول اللامركزية في مصر، باعتبار اللامركزية من أهم سبل تطوير الإدارة المحلية.

والحقيقة المرة: أن مرد الفساد في المحليات يعود بدرجة كبيرة إلى عدم تحقيق اللامركزية في واقع المحليات في مصر، واللامركزية هي الغاية مِن وراء الأخذ بالإدارة المحلية أو الحكم المحلي، ويكمن الحل لهذا الفساد في إيجاد الإرادة السياسية الجادة في تحقيق اللامركزية وبدء الخطوات الصحيحة لتطبيقها بمنهج مصري يتوافق مع واقعنا وما نطمح إليه مِن خلال وضع نظام قوي للمحليات، وسن قانون قوي ومتوازن للمحليات، مع الجدية في العمل به وتنفيذه، والجدية في المتابعة والتقييم لنتائج هذا العمل والتنفيذ، والمرونة في التقويم والتعديل إذا تطلب الأمر.

مختصر تاريخ الإدارة المحلية في مصر:

تعد مصر من أوائل الدول التي توجهت نحو الأخذ بالإدارة المحلية حيث ارتبط ميلاد الحركة النيابية في مصر بظهور البلديات، حيث قام الخديوي إسماعيل بمقتضى المرسوم الذي أصدره عام 1866م بإنشاء أول مجلس نيابي في مصر وإنشاء مجالس للمديريات تعد مقدمة لنظام الإدارة المحلية في مصر، وإن اتسمت بثانوية اختصاصات هذه البلديات، وعدم الاعتراف بشخصية معنوية أو اعتبارية لها.

وفي عام 1909م: صدر القانون رقم 22 لسنة 1909م الذي يعد الميلاد الحقيقي للبلديات، حيث اعترف بالشخصية المعنوية لمجالس المديريات من خلال تحديد اختصاصاتها، وأعطاها قدرًا مِن تصريف أمورها بنفسها، من خلال حقها في إبداء الرأي في الأمور التي تهم المديرية وسكانها، وحقها في فرض رسوم مؤقتة.

وفي عام 1913م: صدر القانون رقم 30 لسنة 1913 م المنظِّم لعمليات انتخابات المجالس البلدية، وقد نظَّم دستور 1923م اختصاصات المجالس البلدية، ومنحها اختصاصات تتعلق بتنفيذ السياسة العامة محليًّا، وألزمها بنشر ميزانياتها وفتح جلساتها أمام المواطنين، كما بيَّن المبادئ الواجب اتباعها في القوانين التي تنظِّم عمل مجالس المديريات وانتخاب أعضائها، خاصة النص في المادتين: 132، و133 على تشكيل جميع مجالس المديريات والبلديات بالانتخاب، وهذا يعني أن دستور 1923م منح الحماية الدستورية لهذه المجالس، ويعد هذا أول اعتراف دستوري بالنظام المحلي، وتعد هذه الخطوة مِن أهم خطوات النظام المحلي في مصر.

قامت ثورة 23 يوليو 1952م بخطواتٍ كبيرةٍ في تطوير التجربة المحلية وتوسيع قاعدتها:

حيث أبدى الدستور المؤقت سنة 1956م اهتمامه بالمحليات، وجاء النص صراحة في القانون 124 لسنة 1960 م على مسمى الإدارة المحلية كنظام عمل قانوني لإدارة المجتمعات المحلية، وبمقتضاه تم نقل إدارة المديريات مِن وزارة الداخلية ونقل الإدارة العامة للبلديات من وزارة الشئون الاجتماعية، وعليه تكونت النواة للهيكل الوظيفي لوزارة الإدارة المحلية مِن خلال:

- تحديد هيكل الإدارة المحلية بثلاثة مستويات: المحافظة - المدينة - القرية.

- تشكيل مجلس مشترك مِن التنفيذيين المعينين، ومِن الشعبيين المنتخبين، يرأسه رئيس معين، ووكيل للمجلس مِن الشعبيين يحل محل الرئيس أثناء غيابه.

- تحديد اختصاصات ومهام تلك المجالس.

وتعد هذه المحطة أيضًا محطة مهمة لها أثر كبير في تطوير النظام المحلي.

وجاء دستور سنة 1971م الدائم ليؤكِّد على نظام الإدارة المحلية، ولكنه جعل نظام الإدارة المحلية ضمن السلطة التنفيذية، وقسَّم مصر إلى وحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وتتكون من خمس تقسيمات إدارية -بدلًا من ثلاثة-، وهي: المحافظة - المركز - المدينة - الحي - القرية.

ثم صدر قانون الإدارة المحلية رقم 57 لسنة 1971م الذي فصل التكوين التنفيذي عن التكوين الشعبي، حيث أوجد لجنة شعبية برئاسة أمين عام الاتحاد الاشتراكي، ولجنة تنفيذية برئاسة المحافظ.

وفي عام 1975م: صدر القانون رقم 52 لسنة 1975م الذي أحدث نقلة نوعية كبيرة في تجربة الإدارة المحلية في مصر؛ إذ فصل بين المجالس المحلية واللجان التنفيذية، ونظَّم انتخابات المجالس المحلية على كافة المستويات، وحدد اختصاصات أكثر وضوحًا لكل مِن المجالس المحلية واللجان التنفيذية.

وجاء قانون 43 لسنة 1979م وما تلاه مِن تعديلاتٍ متضمنًا:  

- تسمية المجالس المحلية باسم المجالس الشعبية المحلية تمشيًا مع أحكام الدستور.

- استبدال اللجان التنفيذية لوحدات الإدارة المحلية بالمجالس التنفيذية.

- إعطاء وحدات الإدارة المحلية اختصاص إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها، واعتبار ذلك اختصاص أصيل لها (راجع في ذلك: نظام الإدارة المحلية في مصر، الواقع وآفاق المستقبل - بحث تطبيقي، إعداد: مهندس محمد رضا رجب، ص: 5 -7).

وقد أجريت آخر انتخابات محلية في مصر في أبريل عام 2008م، ولكن تم حل تلك المجالس مع حل مجلس الشعب والشورى بعد ثورة 25 يناير 2011م بقرارٍ مِن المجلس العسكري في عام 2011م؛ مما ترتب عليه غياب هذه المجالس من وقتها حتى الآن؛ مما أدَّى إلى تحكم الأجهزة التنفيذية في المحليات منفردة، مما زاد مِن سلبيات تلك المحليات.

وقد شهدت هذه المرحلة مكسبًا دستوريًّا للمحليات في المادة 179 من دستور عام 2014م الأخير بالتأكيد على تطبيق اللامركزية، والمطالبة بسرعة إصدار قانون الإدارة المحلية الجديد، كما شهدت تكليفات رئاسية بإعادة رسم الحدود بين المحافظات وإدخال الظهير الصحراوي بها، وهي كلها أمور تمهِّد لإجراء انتخابات المجالس الشعبية المحلية للخروج من حالة الجمود الحالي.

ويبقى السؤال: بعد كل هذا التاريخ الطويل في تجربة الإدارة المحلية: لماذا لم تصل المحليات إلى النجاح والاستقرار المرجو منها؟!

لعل الإجابة عن هذا السؤال تتضح فيما سنذكره عن واقع الحكم المحلي في مصر:

ففي شروط العضوية في المجالس الشعبية المحلية: يشترط القانون 43 لسنة 1979م ولائحته التنفيذية فيمن يترشح لعضوية المجالس الشعبية المحلية فقط إجادة القراءة والكتابة، ولا يشترط الحصول على أي مؤهل دراسي أو علمي، رغم ما لهذه العضوية من اختصاصات كبيرة، خاصة ونحن نعيش في عصر المعلومات الذي يحتاج بلا شك لما هو أكبر من ذلك من المؤهلات.

وفي نظام الانتخاب: نجد أن عدد أعضاء المجلس المحلي للقرية ثابت في كل الوحدات المحلية على طول البلاد أيًّا كان عدد سكان القرية، وسكان القرى يتفاوتون من قرية بها أعداد قليلة مِن الآلاف مِن السكان وقرية بها عشرات أو مئات الألوف، بما يستلزم تفاوت أعضاء تلك المجالس بحسب نسبة السكان الذين يمثلونهم.

وفي تشكيل البلديات رغم أنها كانت في فترات كثيرة تشكِّل بالانتخاب؛ إلا أن قيادتها ممثلة وبشكل مباشر للسلطة المركزية، فرئيس مجلس المديرية هو مدير المديرية، وهو نفسه ممثل الداخلية، وفي المدن هو مأمور المركز الذي يمثِّل أيضًا وزارة الداخلية، وهذا يعني سيطرة السلطة المركزية على ثلث المجالس؛ مما يقلل مِن دورها الإداري والرقابي (راجع المصدر السابق، ص 10 -11).

هيمنة العسكريين وأهل الثقة على المحليات:

شهدت فترة ما بعد ثورة 23 يوليو 1952م هيمنة رجال الثورة على أمور المحليات، فشغل موقع المحافظ في المحافظات رجال الثورة؛ إذ كانوا هم أهل الثقة -كما كان يطلق عليهم وقتها-، بينما شارك كثيرٌ مِن المدنيين في رئاسة المدن والقرى، ولكن كان اختيار هؤلاء المدنيين يخضع لمعيار الولاء للثورة وثقة رجالها فيهم! نعم شهدت تلك الفترة إنجازات كبيرة على مستوى المحافظات والمدن والقرى في كثيرٍ مِن المجالات، وفي البنية التحتية بمقاييس تلك الفترة، لكن عابها أن المشاركة المجتمعية لم تكن على المستوى المطلوب، أو تتم بأوامر من المحافظ، أي: تتصف بالهيمنة المركزية وسلطة العسكريين.

وما زالت الصفة الغالبة لهذا النهج مستمرة إلى الآن، فتشير الإحصائيات إلى أن منصب المحافظ يتم تعيين رجال القوات المسلحة والشرطة فيه بنحو 81 % مِن المحافظين، وباقي النسبة من المحافظين ما بين مستشارين وقضاة وأساتذة جامعات، بينما نسبة المدنيين قليلة، أما منصب سكرتير عام المحافظة فشغله نحو 88% من العسكريين، ونحو هذه النسبة في منصب السكرتير المساعد، أما رؤساء المدن والمراكز فنسبة العسكريين فيهم ما بين 70% إلى 80%.

وهذا النهج عيوبه أكثر من إيجابياته:

فأبناء المؤسسة العسكرية أبناء هيئة نظامية غير ديمقراطية في الأساس، وهذا ليس عيبًا فيها، فيجب أن يكون لقياداتها سلطة آمرة، وهذه القيادات مهما بلغ تميزها وكفاءتها في عملها في مؤسساتها العسكرية وقيامها بدورها العظيم فيها فلا يعني ذلك ضرورة تميزها في المجتمعات المحلية؛ إذ يختلف الوضع هناك كثيرًا، بل يحتاج إلى إعدادٍ يتناسب مع مهام وأعباء وطبيعة العمل المحلي، وما يتطلبه مِن تفاعل بين القيادات والسكان المحليين، والتوسع في مساحة الحوار والنقاش والتفاوض والإقناع، ولعل هذا كان وراء ظهور وصف: (اللي نازلين بالبراشوت) على الإدارة المحلية مِن خارجها.

"أضف إلى ذلك: عدم وجود برامج تدريبية مدروسة وقادرة على بناء القدرات للقيادات التنفيذية المحلية وفق منهجية واضحة تحقق لدى هذه القيادات الوعي الكامل بطبيعة المجتمعات المحلية وحركتها وتفاعلاتها، والتغيرات التي تطرأ عليها، والقوى الاجتماعية بها، والقوى الفاعلة في حركة المجتمع المحلي واقتصادياته، وكل ما يتعلق بهذه المجتمعات وتطلعاتها التنموية وكيفية التعامل معها" (راجع المصدر السابق، ص 14).

ومِن سلبيات هذا النهج:

- قتل الطموح لدى المدنيين والعاملين في الإدارة المحلية.

- ضآلة فرص الترقي وشغل المواقع القيادية للعاملين في الوحدات المحلية بكل مستوياتها، وبالتالي فقد الدافع للإنجاز والابتكار والمبادرة.

- اختلاف المنابع الفكرية والتنظيمية لقيادات الإدارة المحلية يؤدي إلى اختلاف الرؤى، وبالتالي اختلاف نمط العمل وكيفية الممارسة للإدارة المحلية في المواقع المختلفة؛ إذ تختلف سياسة تلك القيادات بحسب الشخص والجهة التي جاء منها وعمل فيها، فضابط المدرعات يختلف عن ضابط الدفاع الجوي، وضابط الشرطة الذي يعمل في المرور يختلف عن الذي يعمل في مكافحة المخدرات، فلكل رؤيته وتعامله الذي ينعكس على أدائه وتعامله مع المجتمع المحلي، وهذا يؤدي إلى شخصنة العمل في المجتمعات المحلية، أي ارتباط العمل بشخص القيادة يتغير بتغيرها، ومع عدم استقرار تلك القيادات المحلية في مواقعها لفتراتٍ طويلةٍ -كما هو الحال عندنا-، فلا تكتمل الأعمال؛ لعدم استقرار القيادات في مواقعها المدة الكافية لاستكمال أعمالها التي بدأتها.

وهذا بدوره يترتب عليه:

- البطء في تنمية المجتمعات المحلية، وتفاقم المشكلات البيئية والخدمية؛ خاصة في القرى.

- ارتباط تقييم تلك القيادات المحلية بانطباع القيادات الأعلى عنها؛ فلا تقييم للأداء أو رصد للإنجاز، مع انعكاس الأقدمية في الهيئة النظامية على حركة الترقيات والتنقلات داخل الإدارة المحلية (راجع المصدر السابق، ص 12 -14).

إن هذا النهج يؤكِّد على عدم وجود قواعد ومعايير موضوعية لاختيار القيادات المحلية مما يؤثِّر قطعًا تأثيرًا سلبيًّا على أداء المحليات، ولعل هذا ما بدأت الإدارة السياسية حاليًا تعمل على تلافيه مِن خلال إشراك العديد من القيادات الشابة للعمل في المناصب المعاونة في الوزارات والمحافظات وزيادة نسبة مشاركة الشباب في البرلمان والمحليات؛ تمهيدًا لتصحيح الأوضاع السلبية داخلها؛ هذا إلى جانب الاتجاه نحو وضع قانونٍ جديدٍ للمحليات؛ إذ ليس منطقيًّا ولا مقبولًا أن يستمر تطبيق قانون وضع منذ عشرات السنين بعد كل التغيرات التي طرأت بعده.

سيطرة السلطة المركزية على المحليات:

"إن الأوضاع القانونية والفنية والسياسية ذات الصلة بالإدارة المحلية في مصر لا تتمتع بالمرونة والدقة والموضوعية التي تجعلها قادرة على إطلاق المبادرات والطاقات المحلية، بالرغم مِن نصوصها القانونية التي تبدو منسجمة إلى حدٍّ ما مع إعطاء دورٍ كبيرٍ للمستويات المحلية في إدارة شئونها.

أضف إلى ذلك: طغيان الجانب المركزي في صنع القرار وامتلاك حقوق التعيين والجزاء مما يحول دون تنمية الكادر المحلي، وبالتالي: فإن المجتمع المحلي تتعلق عيناه دائما بالمركز، فالحكومات المتعاقبة كرست ثقافة المركزية لدى الشعب، فصار يتعلق بأهداب الحكومة أينما ذهبت، ويتغنى بنعمها، وهو في واقع الحال يعاني مِن إجراءاتها وقوانينها وقراراتها وأزماتها"، وقد أدَّى هذا المنهج: "إلى تعاظم المشكلات وتدني الخدمات في القرى والنجوع، وعزوف الناس عن المشاركة الجادة إلا ما ندر؛ هذا كله أثَّر على ثقافة المجتمع، وأبعده كل البعد عن فكرة ومنهج الاعتماد على الذات" (المصدر السابق، ص 15 بتصرف).

إن القانون الخاص بالإدارة المحلية لسنة 1979م وضَّح اختصاصات ومسئوليات المستويات المحلية (إلا أن العمل بالمحليات ما زالت الحكومة المركزية هي القابضة على موارده وإجراءاته، والوزراء المعنيون يسلبون سلطات المستويات المحلية لصالح فرض سطوتهم وسلطتهم المطلقة، إن قطاعات الخدمات ما زالت الوزارات المركزية صاحبة القول الفصل في تحديد الاحتياجات المحلية وتقرير الأولويات واعتماد الميزانيات، بل في كثيرٍ مِن الأحيان هي التي تطرح الأعمال للتنفيذ"، "حتى إن النقل التدريجي للاختصاصات المركزية للإدارة المحلية والتي نص عليها دستور 1971م لم تأخذ الحكومة خلال الفترات السابقة أي خطوة عملية على أرض الواقع لتفعيل هذه المواد" (المصدر السابق، ص 15 -16 بتصرفٍ).

إن المحافظ وهو رئيس الوحدة الإدارية يعين ويعزل وينقل بقرارٍ مِن رئيس الدولة (الحكومة المركزية) ويكون مسئولًا أمامه فقط، وهذا التعيين يكون على الأكثر لأسبابٍ سياسيةٍ، إضافة إلى أن للحكومة المركزية الحق في حل المجلس المحلي وعزل رئيس المجلس (انظر: أساليب تنظيم الإدارة المحلية - دراسة مقارنة، موقع جوجل، ص 10).

إن المحافظ -وهو الرئيس الأعلى لجميع العاملين المدنيين في نطاق محافظته- لا يستطيع أن يفوِّض أحدًا مِن المستويات القيادية داخل محافظته فيما هو مفوض فيه مِن الوزراء المعنيين؛ فضلًا على عدم قدرته -ولا مَن هو أدنى منه- على نقل أي مبلغ مِن بندٍ إلى بندٍ في موازنة المحافظة قبل موافقة وزير المالية (المصدر السابق، ص 14 بتصرف).

ويؤخذ على المركزية: هرمية السلطة، والبطء في نقل المعلومات مِن أسفل إلى أعلى، ومن أعلى إلى أسفل؛ بالإضافة إلى ثبات المتطلبات المهارية للعاملين بالحكومة، والعكس تمامًا بالنسبة للامركزية (المصدر السابق، ص 20).

ضعف وبطء الأداء في المحليات:

لقد ترتب على كل ما سبق: "أن الأداء على المستوى المحلي اتسم بالبطء والبيروقراطية وعدم الاستمرارية، وأحجم القادرون على العطاء مِن القيادات المحلية عن أن يخوضوا انتخابات المجالس الشعبية المحلية، ومِن ثَمَّ أتت الانتخابات في الغالب الأعم بأعضاء غير قادرين عن التعبير الدقيق عن المشكلات المحلية واقتراح الحلول الصحيحة والممكنة، واختلطت المشكلات الخاصة بالعامة، وارتبط أصحاب المصالح بمعظم الأعضاء، مما أثَّر على القرار المحلي، وبدلًا مِن أن يكون القرار قرارًا عامًّا؛ أصبح قرارًا خاصًّا في معظم المجالس الشعبية.

يضاف إلى ذلك: تسلل العديد مِن موظفي الإدارات المحلية إلى عضوية تلك المجالس لتحقيق أهدافهم الشخصية، سواء بالحصول على منافع وظيفية خاصة، أو ترك عملهم بحجة أداء مهامهم الشعبية، وإذا كان القرار العام المحلي نتاج الفعل السياسي، والسياسة هي تفاعل وحوار، ومناقشة وتفاوض لجميع السكان المحليين، أو ممثليهم؛ للوصول إلى قراراتٍ وسياساتٍ عامة، وبرامج محلية مرضية لجميع السكان بفئاتهم المختلفة المكونة للمجتمع باختلاف رغباتهم واحتياجاتهم ومصالحهم؛ فإن ذلك لم يتحقق نتيجة المعطيات السابقة".

و"توقف حدود المجالس الشعبية عند حد التوصيات دون القرارات، ومِن ثَمَّ فإن أهم ركائز نظام الإدارة المحلية لم يتوفر، فالسكان المحليون أو ممثليهم لم يديروا شئونهم المحلية بأنفسهم، أو يتخذوا القرارات ذات الطابع المحلي؛ سواء تلك المتعلقة بخطط التنمية، أو تطوير الخدمات المحلية ورفع كفاءة أدائها أو إدارة مواردهم، بل إن فرص تعبيرهم عن احتياجاتهم تتضاءل في ظل هيمنة الأجهزة التنفيذية المحلية.

أما على المستوى التنفيذي: فارتبطت كل المبادرات المحلية بالأشخاص، ولم تصبح خططًا وبرامج تحصل على تأييد ومساندة من السكان المحليين، فتستمر بصرف النظر عن الأشخاص"، "إن الشخصانية حتى الآن هي التي تحكم الأداء المحلي" (المصدر السابق، ص 16 -17 بتصرف).

إن المحليات "لا تدير مواردها، بل لا تحصل عليها! فإن الحكومة تجمع كل الموارد في يدها، ثم تعيد توزيعها، ودور الإدارة المحلية يقتصر على إنفاقها وفق القواعد التي تحددها وزارة المالية، ولا يستطيع أي مِن القيادات المحلية في أي مستوى نقل أي مبالغ مِن بندٍ إلى بندٍ إلا بموافقة أجهزة وزارة المالية، ورغم أن قانون الإدارة المحلية يحدد موارد للقرية والمدينة والمحافظة؛ إلا أن هذا يبقى عند حدِّ النص في مادة في صفحة في قانون، لم تنقل مِن هذا كله إلى أرض الواقع، ولا تفعيل لتلك النصوص، وهذه ركيزة من ركائز الإدارة المحلية غير معمول بها في النظام المصري" (المصدر السابق، ص 17 بتصرف).

"أما بالنسبة للمواطن المحلي فتهميشه وعدم خلق آليات لمشاركته المجتمعية وعدم الاهتمام بآرائه -لو أتيح له هذا- جعل منه مواطن غير مبالي"، (يضاف إلى ذلك: عدم قيام المجالس المحلية بأي أنشطة، مثل: جلسات الاستماع أو المؤتمرات الشعبية التي تدعم توسيع دائرة مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات التي تهم السكان المحليين، كما أن المجالس لا تصدر أي مطبوعات تشرح فيها أعمال وأنشطة المجلس الشعبي، أي أن العلاقة بين المجلس والسكان المحليين تتركز على يوم الانتخاب، أو خلق علاقة بينهم بهدف كسب أصوات السكان المحليين يوم الانتخاب" (المصدر السابق، ص 17 -18 بتصرف).