عِبَر مِن قصص الأنبياء (29)

  • 178

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أ- سليمان -عليه الصلاة والسلام-:

مِن المعلوم أن سليمان -عليه السلام- ورث عن أبيه داود -عليه السلام- النبوّة والملك (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) (النمل:16)، ثم خصّه الله -عز وجل- بأن أجاب دعاءه وجعل له مُلْكًا لا ينبغي لأحدٍ مِن بعده (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (ص:35).

وفي قصة سليمان -عليه السلام- كثيرٌ مِن العِبَر نقف مع بعضها على وجه الإيجاز، فمنها نسيانه قول: "ما شاء الله" حين عزم على الطواف على نسائه مِن أجل أن ينجبن فرسانًا مجاهدين، فروى البخاري ومسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، وَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إِلَّا وَاحِدًا، سَاقِطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

وهذه هي قصة قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) (ص:34)، فالأنبياء يتعرضون للفتنة والاختبار مِن الله -عز وجل-، وكذلك الصالحون؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- حين سئل: أيّ الناس أشد بلاءً؟ فقال: (الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

ومِن العِبَر المهمة هنا: أنه على أتْباع الأنبياء أن يَعرفوا أن طريق الأنبياء كان فيه ابتلاءات وفتن، وأن النجاة منها تكون بانتهاج نهج الأنبياء بالتزام الحق أولًا، والتوبة والإنابة ثانيًا، كما في قصة سليمان -عليه الصلاة والسلام- هنا (ثُمَّ أَنَابَ)، ومِن قبْل في قصة أبيه داود -عليه السلام-: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) (ص:24)، ففي هذه المرحلة الحساسة مِن تاريخ الإسلام لابد لنا مِن الاستعداد والتيقظ لكثرة الفتن والابتلاءات، والاعتصام بالله -عز وجل-، والأخذ بالأسباب الشرعية والواقعية.

ومن العِبر الكبرى في هذه الفتنة: إبطال قول الرافضة بعصمة الأنبياء والأئمة المطلقة، فها هو سليمان -عليه السلام- نسي قول: "إن شاء الله" برغم أن صاحبه قد ذكّره بها! وقيل: إن ذلك وقع أيضًا لنبينا -صلى الله عليه وسلم- حين سأله مشركو قريش عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فقال لهم: "أجيبكم غدًا"، ونسي أن يقول: "إن شاء الله"، فتأخر الوحي عنه مدة أسبوعين ثم نزل قوله -تعالى-: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا . إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (الكهف:23-24).

وفي هذا بيان لبشرية الأنبياء، وأن عصمتهم هي في تبليغ الرسالة الإلهية، فإذا كان الأنبياء يقع منهم النسيان أو الخطأ كقتْل موسى -عليه السلام- للقبطي؛ فكيف تصحّ مزاعم أفّاقي الرافضة وقصصهم الخيالية عن عصمة الأئمة مِن الخطأ والسهو والنسيان، فهل هم أفضل مِن الأنبياء؟ أم أن هذه الآيات القرآنية خاطئة؟ وكِلا وجهي الأمر ذميم.