الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، أما بعد؛
أ- سليمان -عليه الصلاة والسلام-:
مِن المعلوم أن سليمان -عليه السلام- ورث عن
أبيه داود -عليه السلام- النبوّة والملك (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ
دَاوُودَ) (النمل:16)، ثم خصّه الله -عز وجل- بأن أجاب دعاءه وجعل
له مُلْكًا لا ينبغي لأحدٍ مِن بعده (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي
مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (ص:35).
وفي قصة سليمان -عليه السلام- كثيرٌ مِن
العِبَر نقف مع بعضها على وجه الإيجاز، فمنها نسيانه قول: "ما شاء الله"
حين عزم على الطواف على نسائه مِن أجل أن ينجبن فرسانًا مجاهدين، فروى البخاري
ومسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قَالَ: سُلَيْمَانُ
بْنُ دَاوُدَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، تَحْمِلُ كُلُّ
امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ
شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، وَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إِلَّا وَاحِدًا، سَاقِطًا
أَحَدُ شِقَّيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ
قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
وهذه هي قصة قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ
فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) (ص:34)، فالأنبياء يتعرضون للفتنة والاختبار مِن الله -عز وجل-،
وكذلك الصالحون؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- حين سئل: أيّ الناس أشد بلاءً؟ فقال: (الْأَنْبِيَاءُ،
ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ)
(رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
ومِن
العِبَر المهمة هنا: أنه على
أتْباع الأنبياء أن يَعرفوا أن طريق الأنبياء كان فيه ابتلاءات وفتن، وأن النجاة
منها تكون بانتهاج نهج الأنبياء بالتزام الحق أولًا، والتوبة والإنابة ثانيًا، كما
في قصة سليمان -عليه الصلاة والسلام- هنا (ثُمَّ أَنَابَ)، ومِن قبْل في قصة أبيه داود -عليه السلام-:
(وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ
رَاكِعًا وَأَنَابَ) (ص:24)، ففي هذه المرحلة الحساسة مِن تاريخ الإسلام
لابد لنا مِن الاستعداد والتيقظ لكثرة الفتن والابتلاءات، والاعتصام بالله -عز وجل-،
والأخذ بالأسباب الشرعية والواقعية.
ومن
العِبر الكبرى في هذه الفتنة:
إبطال قول الرافضة بعصمة الأنبياء والأئمة المطلقة، فها هو سليمان -عليه السلام-
نسي قول: "إن شاء الله" برغم أن صاحبه قد ذكّره بها! وقيل: إن ذلك وقع
أيضًا لنبينا -صلى الله عليه وسلم- حين سأله مشركو قريش عن أصحاب الكهف وذي
القرنين والروح، فقال لهم: "أجيبكم غدًا"، ونسي أن يقول: "إن شاء
الله"، فتأخر الوحي عنه مدة أسبوعين ثم نزل قوله -تعالى-: (وَلَا
تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا . إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (الكهف:23-24).
وفي هذا بيان لبشرية الأنبياء، وأن عصمتهم هي
في تبليغ الرسالة الإلهية، فإذا كان الأنبياء يقع منهم النسيان أو الخطأ كقتْل
موسى -عليه السلام- للقبطي؛ فكيف تصحّ مزاعم أفّاقي الرافضة وقصصهم الخيالية عن
عصمة الأئمة مِن الخطأ والسهو والنسيان، فهل هم أفضل مِن الأنبياء؟ أم أن هذه
الآيات القرآنية خاطئة؟ وكِلا وجهي الأمر ذميم.