لا تكن مزعجًا!

  • 300

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالهدوء أسرع طريق للفهم؛ وغرس لبذور الصفاء في الصدر، فالهدوء يقوي العقل ويهذب النفس، ويجعل الإنسان في مصاف العظماء؛ لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعبد في غار حراء الليالي ذوات العدد؛ وحبب إليه الخلاء.

والهدوء هو داعي التفكر الثاقب في ملكوت الله -تعالى-: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:191).

والتحلي بالهدوء يكسب صاحبه الرفعة في الدنيا والآخرة، فقد روى الشيخان بإسنادهما إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ، فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا -عَزَّ وَجَلَّ-، وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ) (متفق عليه).

نتأمل كلمة: (لَا صَخَبَ)؛ لأن -صلى الله عليه وسلم- لما دعا إلى الإيمان أجابت خديجة -رضي الله عنها- طوعًا فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب، بل أزالت عنه كل تعب وآنسته مِن كل وحشة، وهوَّنت عليه كل عسير؛ فناسب أن يكون منزلها الذي بشَّرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها؛ لا ضوضاء، لا شجب، هدوء!

فأبناء النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن خديجة جمعيهم؛ إلا إبراهيم مِن مارية القبطية، فهذا البيت الذي به ستة مِن الأبناء لم يسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه صياحًا ولا ضجيجًا، بل كان هذا البيت سكنًا وطمأنينة وهدوءًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

إن خديجة -رضي الله عنها- كانت قمة شامخة في احتوائها لزوجها وأبنائها، تدير بيتها بجدارة؛ فلا هي مضيعة حق زوجها ولا مفرّطة في تربية أبنائها، بكل هدوء تُبَشرُ بالجنة مِن سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-.

- المسجد أحب بقعة في الأرص إلى الله؛ لما فيه مِن العبادة والسكينة والهدوء، فإذا قرأ الإمام فعلى الجميع الإنصات وعدم الإزعاج؛ فإنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وقال -تعالى-: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (اﻷعراف:204).

وقد أخرج مسلم في صحيحه مِن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا) (رواه مسلم)، ومِن صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- في التوراة أنه ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا سخاب في الأسواق، وهو رفع الصوت والإزعاج.

وعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: "لَا تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ، أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ" (رواه مسلم).

- أخي الحبيب... اعمل بهدوء، وفي هدوء؛ علِّم أسرتك الهدوء، واقتدِ بسيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنعام:13).