عِبَر مِن قصص الأنبياء (25)

  • 155

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أ- هارون -عليه الصلاة والسلام-:

لا يَعرض القرآن الكريم ولا السُّنة النبوية الكثير مِن المعلومات عن نبوّة وحياة هارون -عليه الصلاة والسلام-، برغم معايشته ومرافقته لأخيه موسى -عليه الصلاة والسلام-، وطول قصته في القرآن الكريم، وهذا يبيّن دقة طلب موسى -عليه الصلاة والسلام- من ربه: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (طه:29-32)، فهارون كان وزيرًا ومساعدًا لموسى -عليه السلام-، وهذا واضح في قصة موسى -عليه السلام-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا) (الفرقان:35).

ومن العِبَر المهمة في قصة هارون -عليه السلام-: أهمية ذكر الله -عز وجل- في مقارعة الظالمين والطغاة، وأنه مِن أهم الأسباب الشرعية لتحقيق النصر والفوز، فقد أمر الله -عز وجل- موسى وهارون بدعوة فرعون وقومه لتوحيد الله -عز وجل- وعبادته، فخاطب الله -سبحانه- موسى فقال: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي . اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) (طه:42-43).

والأمر بذكر الله -عز وجل- عند مجابهة الأعداء تكرر في القرآن الكريم، كما في قوله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال:45)، وذِكْر الله -عز وجل- يكون بيقظة القلب أولًا؛ لأن المعين والناصر هو الله -عز وجل-، وأن هذا الجهد والجدال والجهاد هو لأجله -سبحانه وتعالى-، ومِن ثَمَّ ينساب تذكر ويقظة القلب للّسان، فلا يفتر عن ذكر الله -عز وجل- وتعظيمه وتسبيحه، (وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)، فإذا كان الأنبياء أُمِروا بكثرة ذكر الله -عز وجل- عند المواجهة والنزال، فإن سائر المؤمنين مأمورون بذلك مِن باب أولى.

واليوم، ونحن نعايش هجمة علمانية وإلحادية عاتية: "إعلامية وفكرية وإقصائية"؛ بعضها بشكلٍ صريحٍ ومكشوفٍ، وبعضها مستور يتخفى عبْر شعارات تجديد الخطاب الإسلامي أو تطوير الحالة الإسلامية أو بدعوى محاربة الإرهاب والتطرف، أو كان يُقدّم في قالب الفن والدراما؛ فإن مِن أهم الأسلحة لأهل الإيمان في مقارعة هذا الغزو والعدوان: الاعتصام بكثرة ذكر الله -عز وجل- في القلب واللسان حتى يبارك الله في بقية الأعضاء والجوارح، ويعينها على المصابرة والمدافعة، حتى يفتح لها بإبطال الباطل وإحقاق الحق.

ولما علم إبليس بخطر سلاح ذكر الله -عز وجل- على إبطال مخططاته ومؤامراته؛ سعى بكل قوة لتحويل ذكر الله -عز وجل- مِن سلاحٍ فتاكٍ ضد الباطل وأعوانه ليكون رقصًا وطبلًا وهبلًا -كما نرى في كثيرٍ مِن المقاطع المصورة!- فانتشر كثيرٌ مِن الباطل، وترسَّخ عبْر هؤلاء (الذاكرين) زورًا، فأصبحوا مِن جند إبليس بدلًا مِن أن يكونوا في طليعة جند الرحمن!