عِبَر مِن قصص الأنبياء (19)

  • 118

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أ- يعقوب -عليه الصلاة والسلام-:

يعقوب -عليه السلام- هو ابن إسحاق -عليه السلام-، وحفيد إبراهيم -عليه السلام-، والذي كانت الملائكة قد بشّرت إبراهيم وزوجته به وبأبيه (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) (هود:71)، وفي قوله -تعالى-: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ) (الأنبياء:72)، وفي هذه البشارة إشارة لطول بقاء إبراهيم وزوجته حتى يريا حفيدهما يعقوب برغم أن مجيء إسماعيل وإسحاق كان وقد تقدمت سنّه (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) (إبراهيم:39).

وبذلك يكون يعقوب مِن عائلة أنبياء؛ فأبوه إسحاق نبي، وجدّه إبراهيم نبي، وعمه إسماعيل نبي، وابنه يوسف سيكون لاحقًا نبيًّا؛ ولذلك وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (الكَرِيمُ ابْنُ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ، يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ-) (رواه البخاري).

وسبق أن ذكرنا أن إبراهيم -عليه السلام- سُمّي بأبي الأنبياء؛ لكون النبوة حُصرت في ذريته بيْن الفرع الإسرائيلي يعقوب، والذي جاء مِن ذريته أنبياء كثيرون، وخُتمت النبوة في ذرية يعقوب بنبوّة عيسى -عليه السلام-، والفرع الإسماعيلي الذي ختم بنبيّنا محمد -عليه الصلاة والسلام-.

لم يفصّل القرآن الكريم والسُّنة النبوية كثيرًا في قصة يعقوب -عليه السلام-؛ ولذلك ينبغي الحذر مِن كثيرٍ مِن الأخبار والقصص حول شخصية يعقوب -عليه الصلاة والسلام-، والتي ليس لها مصدر إلا تحريفات التوراة والمليئة بالطعن فيه -عليه السلام-، والطعن بالله -عز وجل-، وهذا موطنٌ مُهم لأخذ العبرة بالتباين بيْن الوحي الخاتم المحفوظ، وهو القرآن الكريم، وبيْن الكتب السماوية السابقة التي تعرضت للتحريف والتبديل؛ ولذلك تجد في الكتب السماوية السابقة والمبدلة والمحرفة الطعن والذم لله -عز وجل-، ونسبة النقص للرب -سبحانه وتعالى-!

وتجد فيها سبّ الأنبياء والحطّ مِن شأنهم، بخلاف القرآن الكريم الذي نفى كل نقص عن الله -جلَّ جلاله-، وأثبت له كل كمال وجلال، ومدح أنبياء الله كلهم وجعلهم قدوة للعالمين.

ولنا في قصة التوراة المفتراة على الله -عز وجل- ويعقوب -عليه السلام- نموذج لهذا الفارق بيْن مستوى التبجيل والاحترام والتعظيم لله -عز وجل- ولأنبيائه بيْن الوحي الخاتم (القرآن الكريم)، وبيْن الكتب المحرفة والمبدلة.

فمِن أمثلة تحريف وتبديل التوراة: ما افتراه المجرمون مِن قصة صراع الله -عز وجل- مع يعقوب -عليه السلام- وتغلّب يعقوب على الرب! تعالى الله عن ذلك؛ فإن هذا مِن أبطل الباطل، ومِن الكفر الصراح البيّن بعظمة الله -سبحانه- وقدرته وقوته؛ لأن الله -عز وجل- هو (ذو القوة المتين) (الذاريات:58)، ويعقوب وبقية الأنبياء لديهم مِن الأدب والإجلال لله -عز وجل- ما يتنافى مع هذا العبث والتشويه الفاجر لصورة الأنبياء -عليهم السلام-.