عِبَر مِن قصص الأنبياء (13)

  • 120

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أ- إسحاق -عليه السلام-:

إسحاق هو الابن الثاني لإبراهيم -عليهما الصلاة السلام-، ومِن ذرية يعقوب بن إسحاق -عليهما الصلاة والسلام- جاء غالب الأنبياء في بني إسرائيل، ومِن نسل إسماعيل كان نبينا محمد -عليهما الصلاة والسلام-؛ ولذلك سُمِّي إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بأبي الأنبياء.

وقد وُلد إسحاق لإبراهيم بعد إسماعيل -عليهم الصلاة والسلام- وهو شيخ كبير، وكان أخوه إسماعيل رجلًا كبيرًا، وأصبح نبيًّا.

مِن فوائد قصص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-: بيان أنهم قدوة أخلاقية للبشرية، وبيان بعض جوانب العقيدة التي تمس عالم الغيب "ومنها الملائكة"، فحين جاءت الملائكة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام -على هيئة ضيوف لم يعرفهم؛ لأنه لا يعلم الغيب كما ذكرنا مِن قبْل- لتخبره بإهلاك قوم لوط -عليه الصلاة والسلام- وتبشره بمولد إسحاق؛ أسرع بشكلٍ خفيٍّ لإكرامهم، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (هود:69)، ليضرب لنا أبو الأنبياء المثل والنموذج في إكرام الضيف والاهتمام به؛ ولذلك مِن ألقابه -عليه الصلاة والسلام- أبو الضيفان، وإكرام الضيف خُلق وعادة جميلة لا تزال تشيع بيْن العرب والمسلمين، بخلاف مَن أصابتهم لوثة المادية والفردية مِن الحضارة المادية المعاصرة، فأصبحت الأنانية والفردية هي الطاغية على سلوكهم، ولليوم كم كانت شمائل الإسلام كقِيم إكرام الضيف والترحيب به سببًا في هداية ألوف الناس لرحمة الإسلام ونوره.

ولما جاء إبراهيم -عليه السلام- بالطعام لم تأكل الملائكة منه: (فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) (هود:70-71)، وهذه الآيات تقرر لنا وجود الملائكة وتبيِّن لنا شيئًا مِن طبيعتهم، كقدرتهم على الظهور بمظهر البشر، وأنهم لا يأكلون ولا يشربون، ولا يحتاجون ما يحتاجه بنو آدم مِن الطعام والشراب والتخلص منه.

ولما بشّرت الملائكة سارة زوجة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بإسحاق، ومِن ورائه حفيد هو يعقوب، تعجبتْ و(قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) (هود:72-73)، وولادة إسحاق -عليه الصلاة والسلام- مِن مظاهر سعة قدرة الله -عز وجل-، وأنه لا يعجزه شيء، والتي تكرر الكثير منها في قصة إبراهيم وبنيه -عليهم الصلاة والسلام-، منها: إنجاؤه مِن النار، وحماية سارة مِن النمرود، وتفجير ماء زمزم تحت قدمي إسماعيل الرضيع، وولادة إسحاق.

وفي زماننا هذا لا تزال مظاهر سعة قدرة الله -عز وجل- في حياة المسلمين ونصرته وتوفيقه للمؤمنين تظهر حينًا بعد حين، فصمود أهل الشام في فلسطين وسوريا أمام جبروت اليهود والروس والشيعة والنصيرية، برغم قوة عتادهم، وقلة حيلة المجاهدين؛ لهو مِن دلائل قوة نصر الله -عز وجل- للمؤمنين، ولكن أخطاء المجاهدين هي التي تتسبب في عدم اكتمال النصر، كما حدث يوم "أُحد"، حين عصى الرماة الأمر العسكري الفني للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فحدثت المصيبة (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:165)، ولكن المجاهدين اليوم يخالفون أيضًا أمورًا شرعية أحيانًا، وهذا يترتب عليه ضريبة كبيرة بتأخر النصر وعدم تمامه.