عِبَر مِن قصص الأنبياء (7)

  • 137

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

أ- صالح -عليه السلام-:

أُرسل صالح -عليه السلام- إلى قوم ثمود، الذين خَلفوا قوم عاد، الذين أُهلكوا بدورهم بسبب كفرهم وإعراضهم عن الوحي الرباني، وكان صالحٌ -عليه السلام- كسُنّة الله في اصطفاء أنبيائه مشهودًا له بالاستقامة والفهم وحسن السمعة (قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا) (هود:62)، ولكن الكافرين سرعان ما يتناقضون مع أنفسهم حين يطالبهم الأنبياء بالعدل واتّباع الحق بالتزام توحيد الله -عز وجل- أولًا، وأداء الحقوق لأهلها، فيأخذون في اتهام الأنبياء والرسل بالتّهم الباطلة، ومنها الاتهام بالسحر، كما فعلوا مع صالح -عليه السلام-، (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) (الشعراء:153)، و(قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) (النمل:47).

ولا يزال التناقض منهج الكفار -لليوم- فتراهم يكيلون التهم للمسلمين بالإرهاب والعنف زورًا وبهتانًا! فها هم الصهاينة وترامب يتهمون الفلسطينيين بالإرهاب ونبذ السلام لرفضهم التنازل عن القدس وفلسطين للغزاة المحتلين!

وها هم الروس -بقيادة بوتين- يتوعدون الإرهابيين في إدلب ثم يكون القصف للمستشفيات ومراكز الدفاع المدني والمدنيين!

وتميزت ثمود بالتفوق المادي والغنى والرفاهية (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) (الأعراف:74)، (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ . وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ) (الشعراء:146-149).

ولكن ذلك لم يحُل بينهم وبيْن العذاب لما كذبوا رسولهم صالحًا -عليه السلام-: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) (الشمس:11)، (أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (هود:62)، وبعد أن عقروا الناقة (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) (الأعراف:77)، وبعد أن تآمر المفسدون على قتل صالح -عليه السلام- (كَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ . قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) (النمل:48-49)، فهذا الرقي والتقدم العمراني والرفاهية لم تغنِ عنهم حين جاء وعد الله لثمود بالعذاب (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (القمر:31).

وفي واقعنا المعاصر، وبعد أن توقف استئصال الله -عز وجل- للأمم الكافرة والظالمة مِن بعد نزول التوراة،  فإن تغيير أحوال الأمم والشعوب مِن القوة إلى الضعف، ومِن الغنى إلى الفقر لا يزال جاريًا في الأمم والشعوب، فهذه هولندا والبرتغال وإسبانيا كانت دولًا عظيمة وذات توسعات استعمارية بعيدة، لكنها اليوم دول منطوية لا تأثير دوليًّا لها، وبعضها يعاني شبح الفقر كإسبانيا، ولو أخذنا حال مصر في العهد الملكي كذلك، فقد كانت دولة غنية تُقرض إنجلترا، وجنيهها أقوى مِن الجنيه الإسترليني، وكانت ترسل المساعدات إلى دول الخليج، والحرمين الشريفين!