همُّ الإصلاح!

  • 221

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالإنسان المهتم والبذول مِن أجل الإصلاح والدعوة، ظاهرة بدأتْ تتراجع وتقل في وسط المجتمع! وأصبحنا نسمع كلماتٍ، مثل: "أنا مالي - مليش دعوة!".

وأظن العوامل والأسباب متنوعة، لكن كل إنسان يعرف مِن نفسه التقصير، قال الله -تعالى-: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:14-15)؛ فلا أحد أعلم بخبايا النفس بعد الله إلا صاحبها.

فقف مع نفسك واسألها: أين أنا مِن حمل الهمِّ؟ واعتبر نفسك أنتَ الوحيد في الميدان، وانظر ماذا أنت فاعل؟

تبليغ سنة الرسول للناس أبلغ مِن رمي السهام في نحر العدو، رمي السهام يقوم به خلق كثير، لكن تبليغ سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يقوم به إلا ورثة الأنبياء.

هم الإصلاح والدعوة هو الذي حرَّك صاحب يس مِن مكانه رغم صعوبة الموقف والتنكر للرسل، بل وقتلهم (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ) (يس:14)، لكن الهم والحرقة والإيجابية والفهم دفعه للقيام بالدور (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) (يس:20)؛ لم يضع أمامه المعوقات -وهي ظاهرة وموجودة-، لكن كان همه القيام بالمستطاع الممكن، ولما قتلوه وعاين المقام الكريم لمَن يحمل هم الدين (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (يس:26-27). فنصح قومه حيًّا وميتًا!

فيا لها مِن حرقةٍ وهمةٍ!

ومَن يعمل في واقعنا ويجتهد في الإصلاح أمامه فرصة كبيرة للاتصاف بمجموعةٍ مِن الأوصاف الشرعية التي تسليه وتعطيه الطاقة الإيجابية، والحماسة والهمة العالية، دون النظر فيما يعاني مِن متاعب ومصاعب ومعوقات، منها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: (الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، فمَن يقوم بالإصلاح أمام هذا الفساد الرهيب والانحراف الهائل هو في الحقيقة يصلح ما أفسد الناس ويتصف بهذا الوصف "الغربة"، والغربة الأولى زالت ببركة حركة سلف الأمة بالإصلاح والدعوة إلى التوحيد وتعبيد الخلائق لله؛ هذا هو الهم الذي يجب أن يكون عند كل مَن يريد الإصلاح اليوم.

وأيضًا مِن هذه الأوصاف قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) (رواه مسلم)؛ تأمل هذا الوصف المحفز والذي يقوي عند المؤمن روح الأمل (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى)، إن لم يكن المصلحون العاملون في الدعوة هم هؤلاء فمَن إذن؟!

ومنها أيضًا: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ القَبْضِ عَلَى الجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الألباني: صحيح لغيره).

لماذا كان أجرهم كبيرًا؟!

للمشقة والعقبات، وقلة الناصر لهم والمعين.

وتأمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) (رواه مسلم)، يعني في الأجر؛ فما بالك بالدعوة للإصلاح وتبليغ الرسالة وإقامة أمر الله -عز وجل-؟! وهذه الأوصاف وغيرها ليستْ تزكية لأحدٍ بعينه، لكن هي وصف لهؤلاء السالكين لطريق الخير والإصلاح والدعوة إلى الله -عز وجل-.

وبعد هذه النصوص الشرعية والأحاديث النبوية؛ كيف لا يتحرك طالب الجنة، والراغب في الأجور والدرجات؟!

فكن مِن هؤلاء المهتمين والساعين في الإصلاح والعمل؛ فهي وربي الاهتمامات التي مِن أجلها يبذل العبد، ويجاهد نفسه عليها، ودعك مِن البطالين ومَن يهتمون بسفاسف الأمور، وعليك بمعاليها.

قـد هـيّـؤوكَ لأمـرٍ لـو فـطـنـتَ له                    فاربأ بنفسكَ أن ترعى مع الهملِ

ولنا أمل.