ظاهرة تحتاج لتذكير!

  • 305

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن مما صار لافتًا للانتباه، وأصبح ظاهرة هي عنوان خطر وتحتاج إلي تذكير؛ نوم كثير مِن المسلمين عن صلاة الفجر -خاصة الملتزمين- الذين أنابوا لربهم يرجون رحمته ويخافون عذابه؛ هذا التفريط الذي هو إعانة للشيطان على أنفسهم أولًا ثم على بعض المسلمين ثانيًا؛ لأنهم يرون مَن يُقتدى به ويذكِّرهم بالله غافل عن أعظم أمره! وكلاهما إثم عظيم.

أخي المسلم الكريم... لا خير فينا إن لم نتواصَ بالخير فيما بيننا، ويتفقد بعضنا بعضًا كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل، وكذا خلفاؤه وأصحابه، ومَن سار علي نهجهم.

أخي الحبيب... إن صلاة الفجر في الجماعة حيث يُنادى بها فيه خير وبركة ورفع للكربة.

مِن ذلك: أن العبد إذا تطهر عند نومه وذكر ربه -تعالى-؛ فإن ملكًا يبيت في شعاره كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ بَاتَ طَاهِرًا بَاتَ فِي شِعَارِهِ مَلَكٌ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا(رواه ابن حبان، وقال الألباني: حسن صحيح).

وإذا قام مِن الليل فإن الله -تعالى- يباهى به ملائكته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ رَجُلَيْنِ: رَجُلٌ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنِ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي ثَارَ عَنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ مِنْ بَيْنِ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقًا مِمَّا عِنْدِي... (رواه أحمد، وصححه الألباني). فهنيئًا له!

وهنيئًا له قرب الرب -تعالى- منه؛ فأقرب ما يكون الرب مِن العبد في جوف الليل، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-, وفي الثلث الأخير مِن الليل يكون نزول رب العزة والجلال نزولًا يليق بكماله وجلاله، يقول: (مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ(متفق عليه).

وهنيئًا له تحرره مِن أسر الشيطان لعنه الله؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ(متفق عليه). وذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقَالَ: (ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ(متفق عليه).

- ثم يتهيأ لصلاة الفجر، ويخرج مِن بيته قائلًا: (بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)، فيقول الملكان الموكلان به: (هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ(رواه أبو داود، وصححه الألباني). ويدعو ربه: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي لِسَانِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا وَمِنْ أَمَامِي نُورًا وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا(متفق عليه).

- فإذا دخل المسجد صلى ركعتي السنة التي هي خير مِن الدنيا وما فيها ثم يصلي الفجر مع الجماعة, وإن كان لديه وقت فليجلس إلى شروق الشمس ثم يصلى ركعتين في وقت الضحى فتُكتب له حجة وعمرة تامة تامة تامة.

وفضل هذا كله عظيم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وقال: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ(رواه مسلم)، وقال: (مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ(متفق عليه). وقال: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا(متفق عليه). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا(رواه مسلم). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ, فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ(رواه الطبراني، وقال الألباني: صحيح لغيره). أي: في عهده وحراسته، وكلُّ منا ذلك العبد الذي يريد سند الله وحمايته وتوفيقه وتسديده.

وصلاة الفجر مشهودة "تشهدها الملائكة" كما قال الله -تعالى-: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا(الإسراء:78)، أي: تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ: مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ العَصْرِ وَصَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ(متفق عليه)؛ فحري بالعبد المؤمن أن يطيع ربه -تعالى- بأدائها في وقتها، وأن يحذر مِن تضييعها والنوم عنها! فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في منامه أقوامًا يعذبون في قبورهم، منهم: (رَجُل مُضْطَجِع، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى... ) فقيل له: (أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ(رواه البخاري).

والنوم عنها من صفات المنافقين كما جاء في الحديث: (لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ(متفق عليه)، وهذا يوجب للمؤمن الحذر والانتباه.

أخي المسلم الكريم... مِن صلاة الفجر تكون الانطلاقة الحقيقية لمَن يريد الخير لنفسه وأمته.