إياكم والهزيمة النفسية!

  • 223

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فأولًا: هناك مسألة مهمة هي أنه مِن حق نفسك عليك أن ترقى إلى سلم المعالي، ولَك في أن ترقى سلم المعالي طرائق، مِن أعظمها: ثقتك برحمة الله -تعالى-.

تخيم على المسلمين هذه الأيام أجواء غاية في الكآبة والحزن تبعث على كثيرٍ مِن اليأس والقنوط، فالمسلمون ما بيْن شهيدٍ ومصابٍ ومعتقلٍ في كثير مِن بلدان الأرض، أموالهم منهوبة، وإرادتهم مسلوبة وأعراضهم منتهكة وأرضهم محتلة، كلمتهم غير مسموعة، هَم الكثير منهم البطن والفرج؛ إلا أن المسلم الحق لا ييأس ولا يقنط مِن رحمة الله -عز وجل-، فهو يوقن بأن ما يقع في الأرض لم يقع إلا بقدر الله ووفق إرادته، وهو خير في جانبٍ مِن جوانبه، فيتفاءل بموعود الله ويسعى لتحقيق النصر ودفع الظلم وإزالة الباطل.

وبعد أن اتضحت المعالم وتواطأ الكل مع الظالم، وتغلبت لغة المصالح وغض الطرف عن المذابح، وبعد أن أصبح القتل مباحًا والعرض مستباحًا بعد أن مدت الروافض لنصرة الكفرة بعد أن سلمت الشام للقتلة واللئام بعد أن أصبح ملء السمع والبصر سب أبي بكر وعمر، بعد أن أصبح الحوار يترجم بلغة المدافع وينصر الظالم ويلام المدافع بعد أن أصبح الدين إرهابًا والانحراف صوابًا والصمت جوابًا، بعد هذا كله نرفع رؤوسنا ونمد أبصارنا إلى خيط الأمل المنسل مِن بيْن ثنايا الظلام، فمهما طال الليل لابد مِن طلوع الفجر، نداء يمد حبال الأمل منتشلًا قاصديه مِن براثين اليأس (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ) (يوسف:١١٠).

فما أحوجنا إلى الأمل في دنيا البغي!

لذلكم نكتب اليوم هذه الكلمات التي هي عصارة قلب تسيل مِن قلمه الدمعات لتبتسم على الورق الكلمات؛ نكتب هذه الكلمات ليعقل ساذج، وليفق غافل، ويتنافس قاعد، ويتأنى متهور، ويفرح ويستبشر يائس بائس ليطمئن القلب بوعد الله ويثق بربه، فتثبت أفئدة المؤمنين بتجلية حقيقة هذا الدين العظيم وشرف الانتساب إليه، ولا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفاف عندما نستطيع أن ندخل الثقة ونبث الأمل في نفوس المسلمين، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، يَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً أَوْ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ يَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

مِن يقيننا بوعد الله ينبثق الفجر عندما نعيش مع هذا الفجر؛ ولهذا الفجر عندما نعيش مِن أجل مجد الإسلام فإننا نعيش حياة مضاعفة بقدر ما يتضاعف إحساسنا بالمسلمين، فالتفاؤل يقوي العزائم، ويبعث على الجد ويعين على الظفر، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَفَاءَلُ وَلَا يَتَطَيَّرُ، وَكَانَ يُحِبُّ الِاسْمَ الْحَسَنَ" (رواه أحمد، وصححه الألباني).

إذن فإن التفاؤل في ظل الأزمة وفي قلب الغمة هو مِن الإيمان، وهو مِن التوكل على الله والثقة بوعده؛ فأحسنوا الظن بربكم، وإياكم والهزيمة النفسية واليأس والقنوط؛ فوالله وتالله وبالله افتراضًا لو نقلوا الأهرامات مِن مصر إلى الصين، ونقلوا القلب مِن اليسار إلى اليمين، وأعادوا الرجل الكبير إلى بطن أمه جنين، ما عزت تلك الأمة ولا انتصرت ولا رفع شأنها؛ إلا بهذا الدين.