امضِ ولا تلتفت!

  • 459

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعندما تتخذ قرارًا مبنيًّا على العلم بالشرع والواقع، والشورى والتجربة، مقتنعًا به، حتى ولو كان ذلك ثقة في علماء تقلدهم بناءً على مواقف سابقة؛ فلا تهتز ولا تتشكك لناعقٍ أو شاتمٍ أو سابٍّ أو سيئ الأدب والخُلُق مِن المخالفين لك، الكارهين لمجتمعهم أو وطنهم؛ الذين يريدون أن يدمِّروا مَن لا يوافقهم ويتمنون فشله! وليس عندهم إنصاف ولا موضوعية، ولا استعداد لسماع وجهة نظرٍ أخرى، فيتبعون أهواءهم وعندهم مِن العناد والكبر ما يجعلهم لا يعترفون بأخطائهم أو يتراجعون عن زلاتهم عندما يتبين لهم الحق، فيلجئون دائمًا إلى السخرية أو الاستهزاء، وليس لنقاشٍ أو حوارٍ بَنـَّاءٍ، بل يتحول إلى جدالٍ أو مراءٍ عقيمٍ بالباطل، يوغر الصدور؛ فإذا وجدتَ ذلك فامضِ ولا تلتفت.

لو كـل كـلب عـوى ألـقـمتـه حجـرًا                  لأصـبـح الـصـخــر مثـقـالًا بـديـنـار

وكذلك لا يحزنكم وحل وسيل الشتائم وسوء الأخلاق مِن المخالفين، ولا تكونوا مثلهم في ردهم، بل التزموا السكينة والوقار، والأدب والحلم، وتحمل أذى الناس، وتحلوا بأخلاق الأنبياء في الصبر على أذى قومهم، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (فصلت:34)، (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (الشورى:40).

وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لقريش يوم فتح مكة: "اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"، ويوسف الصديق -عليه السلام- قال لإخوته بعد الحسد والحقد والإلقاء في البئر: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف:92)، وكما قال إبراهيم -عليه السلام- لأبيه: (سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) (مريم:47)، وقال الله -عز وجل-: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134)، (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199).

وكذلك كل واحد مِن أبناء هذه الدعوة له معركته الحقيقية مع الشيطان في بناء شخصيته المسلمة المتكاملة في: العلم والعبادة، والإيمان والسلوك، والآداب والمعاملات، والدعوة إلى الله، وله دور في تغيير وإصلاح المجتمع، واستغلال كل المساحات الدعوية المتاحة، والبذل والتضحية لنصرة الإسلام والدين.

وتجاوز هذه المرحلة واستيعاب الآخرين، واحتوائهم بحُسن خُلُقه كما قيل:

أحسن إلى الناس تستأسر قـلوبَهُم                  فـطـالما اسـتـأسـر الإنسانَ إحسانُ

فلن يتفق معك الجميع في آرائك ومواقفك الاجتهادية؛ فلا بد مِن استيعاب واحتمال الخلاف السائغ المعتبر المقبول، بالحوار الهادئ والمذاكرة العلمية، واستيعاب الجميع في المساحات المشتركة بيننا.