تشويش!

  • 209

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد رأينا في عصرنا هذا أنواعًا مِن التشويش على عقولنا؛ فضعُفَ الإيمان، وأصبح النشيط كسلان، والطفل الصغير يحلم ليلَ نهار أن يكون "سوبر مان!"، والرجل الكبير يتابع الجوّال ويهجر القرآن، والمرأة منتظرة حزينة: أين الراتب؟ لقد اشتقت إلى فُستان!

تأمل في أحوال الناس اليوم بعد صلاة الفجر، النظر مباشرة لا في القرآن ولا الأذكار، بل في التليفونات والتابات وغيرها! بل البعض إذا استيقظ مِن نومه بالليل؛ لا يستغفر ولا يقوم يتوضأ،بل ينظر في تليفونه يتابع الأحداث والرسائل.

هذا الشّتاتُ الذي نحياهُ نذير شؤم واندثار للحضارة (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (الأعراف:98)، (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) (الأنعام:70).

هذه الصوارف جديرة أن تجعل الإنسان غافلًا عما خُلق له؛ فعلى المربي المخلص أن يضع الطريقة المناسبة لمنع هذا التشويش أن يتسرب إلى أهله ومجتمعه؛ والتشويش قديم جدًّا (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (آل عمران:72)، وهذا التشويش الذي تفنن فيه الأعداء يؤثر تأثيرًا سلبيًّا على الإيمان، فيحب الرجل التفاهة عن ذكر الله؛ والغفلة عن اليقظة والفجور عن الاستقامة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طه:124-126)، (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الزمر:45).

أصيبت الأمة في مقتل، نعم، فقد طالتنا القوى الناعمة، والتي لا غنى عنها، وفي نفس الوقت تخفي في باطنها الكثير مِن المخاطر والجوانب السلبية كالسم في العسل تمامًا؛ إنها وسائل التواصل الاجتماعي.

فيجب على الأب والأم إحكام الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي التي يقوم الشباب بتفعيل حساباتٍ عليها، فباستمرار يجب المرور على الحساب الشخصي لابنك والتعرف على المحادثات الشخصية الخاصة به، والاطلاع على قائمة الأصدقاء مِن وقت لآخر، والتشديد على عدم الإفصاح على أية معلومات أو صور شخصية لأي شخصٍ في هذا العالم الافتراضي، ومِن ثَمَّ وضع برامج الحماية والأمان أو ما يسمَّى بالإنترنت الآمن الذي يحفظ أطفالنا مِن التعرض للفيديوهات أو المواقع الإباحية.

ومِن هنا نقول: لا بد مِن التوازن في استخدام الإنترنت، فلا تظنّ بأنك عندما تصاب بـ (داء الإنترنت) ستتمكّن مِن الاندماج مع الناس، ولا تظنّ بأنك عندما تدمن تقليب صفحات الشبكة ستنظر إلى الحياة بطريقة أجمل! فالغالب أنك ستصاب بالعزلة المزمنة، والنظر إلى الحياة والمجتمع بحساسيةٍ مفرطة تقلّل مِن حلمك وسعة صدرك، ومع مرور الوقت ستصبح إنسانًا غير صالح للعيش في واقعك الطبيعي.

فلذلك يجب أن نربي أبناءنا على القيم النبيلة، وتحصينهم فكريًّا وروحيًّا وسياسيًّا ودينيًّا؛ فما مِن ساعة تمر على الإنسان لم يذكر الله فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة!