منازل الإيمان... (منزلة الرضا) (3)

  • 297

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنستكمل كلامنا على "منزلة الرضا"، وسوف نتناول في هذا المقال:

أسباب الترقي والوصول للرضا عن الله -عز وجل- في كل مقدور:

1- الرضا عن الله يثمِر السكينة والاستقامة، وصلاح الحال، وصلاح البال.

2- الرضا يثمر سلامة القلب، وتزداد سلامة القلب كلما كان الرضا أشد، فيسلم القلب مِن الغش والدغل، والغل والحسد، والسخط يورث جميع الأمراض، ومنها: "الحسد".

3- الرضا يثمر الثبات وعدم تلون العبد، والسخط يثمر تغير حال العبد وعدم ثباته مع الله؛ فإنه لا يرضى إلا بما يلاءم طبعه وهواه؛ إن أُعطي رضي، وإن مُنع سخط.

4- الرضا قرين اليقين، والسخط قرين الشك في الله، وفي قضائه وقدره، وحكمته وعلمه!

5- الرضا بالقضاء مِن أسباب السعادة.

6- الرضا يوجب أن لا ييأس على ما فاته، ولا يفرح بما آتاه، وعدم الفرح بما آتاه؛ لعلمه أن كل عطاء يصحبه بلاء، والفرح بفضل الله وبرحمته، لا بذات العطاء والنعمة.  

7- أن مَن ملأ قلبه مِن الرضا بالقدر؛ ملأ الله صدره غنى وأمنًا وقناعة، وفرَّغ قلبه لمحبته والإنابة إليه، والتوكل عليه، ومَن فاته حظه مِن الرضا امتلأ قبله بضد ذلك، واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه، فالرضا يفرِّغ القلب لله، والسخط يفرغ القلب مِن الله!

8- الرضا يثمر الشكر، والسخط يثمر كفر النعم.

9- الرضا ينفي عن صاحبة آفات الحرص والطلب على الدنيا.

10- الرضا حصنًا حصينًا مِن الشيطان، والسخط يثمر وقوع صاحبه في شباك الشيطان، وكذلك الشهوة؛ فيقول العبد ويفعل ما لا يرضي الرب!

11- الرضا اختيار الله لعبده، والسخط كراهة ما اختاره الله.

12- الرضا يخرج الهوى مِن القلب؛ إذ الراضي هواه تبعًا لمراد ربه.

13- رضا العبد عن ربه يثمر للعبد رضا الله عنه، فإن الجزاء مِن جنس العمل.

14- الرضا قتل للنفس وما فيها مِن هوى وطبع وإرادة، وبذلك تصبح مطمئنة.

15- الرضا يثمر قبول أوامر ربه الدينية والقدرية، بالانشراح والتسليم، وطيب النفس والاستسلام.

نكتة لطيفة: "الرضا عن الله نوعان":

- للنفس وعن النفس؛ لموافقة المقدور هوى وطبع الراضي، وهذا لا ينفع ولا يُثاب عليه.

- لله وبالله، وهذا هو المراد، ويظهر جليًّا أن يكون الرضا عن مقدور يخالِف مراد النفس.

16- الرضا يثمِر كل الطاعات، والسخط يثمر كل المخالفات؛ ذلك أن الراضي يحيا به، والساخط يحيا بنفسه.

17- الرضا يثمر اتباع السُّنة، والسخط يفتح باب البدعة.

18- الرضا مَعْقد نِظام الدِّين "ظاهره وباطنه"؛ فإن القضايا خمسة: "دينية، وكونية"، وهي: "مأمورات - ومنهيَّات - ومباحات - ونِعَم مُلذَّة - وبلايا مؤلِمَة".

19- الرضا يخلِّص العبد مِن مخاصمة ربه، كما فعل إبليس!

20- الرضا عن الله رضا بأسمائه وصفاته، والتي موجبها مشيئته وحكمته وملكه، وجميع ما في الكون تبع لذلك.

21- كل قدر يكرهه العبد؛ إما أن يكون عقوبة على ذنبٍ فهو دواء لمرضٍ كاد يُهلك صاحبه، أو سببًا لنعمة لا تنال إلا بذلك، فمَن عرف هذا؛ انفتح له باب الرضا عن ربه في كل ما يقضيه له ويقدره، فله الحمد والمنة.

22- "ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك": مَن لم يرضَ بالعدل؛ فهو مِن أهل الظلم والجور.

23- عدم الرضا: إما لفوات ما أخطأه مما يحبه ويريده، وإما لإصابة ما يكرهه ويسخطه، ولن يخلص الإيمان إلى قلب عبدٍ مؤمن حتى يوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ مِن هنا لا بد مِن الرضا.

24- ذروة سنام الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر، والرضا مِن أعمال القلوب، والجهاد مِن أعمال الجوارح.

25- أول معصية عصي الله بها نشأت مِن عدم الرضا.

26- الرضا وقوف مع اختيار الله، وإعراض عن اختيار النفس، وهذا مِن قوة معرفة العبد بربه ومعرفته بنفسه.

27- الرضا عن الله في جميع أقداره؛ لأنه في الحقيقة ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحيك؛ فإياك أن تفارق الرضا عن الله فتسقط مِن عينه.

28- قال الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (آل عمران:128)، فإذا أيقن العبد أن الأمر كله لله، وليس له مِن الأمر قليل ولا كثير، لم يكن له معول بعد ذلك غير الرضا بمواقع الأقدار، وما يجرى به مِن ربه مِن اختيار.

29- رضا الله عن العبد أكبر مِن الجنة وما فيها، فالرضا صفته، والجنة خلقه: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) (التوبة:72)، فرضا الله عن عبده جزاء رضا العبد عن ربه، ولما كان هذا الجزاء أفضل الجزاء؛ كان سببه "وهو الرضا" أفضل الأعمال.

30- أن العبد إذا رضي بالله وعنه في جميع الحالات لم يتخير عليه المسائل، وأغناه رضاه بما يقسمه له ويقدره ويفعله به عن ذلك، وجعل ذكره في محل سؤاله، قال الله -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) (البقرة:152)، فدوام الذكر والشكر يمنح الله به عبده شرف ذكره له، وزيادة العطاء بعد شكره لربه، ومنعه مِن عدم الرضا بقضاء الله وقدره.