أطفِئوا النيران... وهدئوا الأحوال!

  • 184

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا يزال البعض يهاجِم "الدعوة السلفية" ومنهجها، ورموزها وشيوخها وأبناءها، ويتهمهم بنفس التهم القديمة والتي ثبت خطؤها، وبالطبع يقوم بعض أبناء الدعوة بالردود على الاتهامات؛ دفاعًا عن دعوتهم  وشيوخهم ورموزهم، وأحيانًا يهاجمون المخالِفين ولا يكتفون بالدفاع؛ وبالتالي فهناك معارك فكرية ومنهجية، كلامية ولفظية، ما زالت قائمة على "الفيس بوك وصفحات الإنترنت - تويتر - الواتساب - وغيرها... ".

معارك بيْن "الإخوان المسلمين" والسلفيين، ومعارك بيْن السلفيين والسلفيين، ومعارك أخرى بيْن أتباع الجماعات والتيارات الإسلامية المختلفة؛ فكل مجموعة تابعة لشيخ تهاجِم بقية المجموعات الأخرى بتهمٍ مختلفة: إما بالإرجاء، أو بالخروج، أو بالتكفير، أو بالعَمَالةِ أو بالخيانة، أو ببدعةٍ مِن البدع!.

وهذه الحروب الكلامِيَّة خَفَّتْ بدرجةٍ مِن الدرجات، لكنها ما زالت موجودة، وهذه المعارك الكلامية -للأسف الشديد- ساءتْ فيها الأخلاق، وشاعتْ فيها الخصومات، والمُقاطَعَات والمُشاحَنات؛ ساءت فيها الكلمات والتعبيرات، وكَثُرَتْ فيها التهَكُّمات والسُّخريات، والغَمَزات واللَّمَزات!

لذلك أقول لإخواني أبناء الدعوة السلفية: تَوَقَّفُوا وكُفُّوا واهْدَأوا، وأَطْفِئوا هذه النيران المشتعلة والمُسْتَعِرَة، والمُلْتَهِبة والساخنة والحارقة؛ لا تَرُدُّوا ولا تُدَافِعُوا، ولا تُهَاجِموا ولا تُعَلـِّقوا؛ فمعظم المُشارِكِين في الحوارات والنقاشات ليسوا باحثين عن الحق، وليسوا طالبين للصواب -إلا مَن رحم الله-، بل يبحثون عن نصرٍ أو هَفوة أو زَلَّةٍ أو سقطة ليثبتوها ويستغلوها ويُسَجِّلوا بها فوزًا موهومًا خياليًّا!

أما الباحثون عن الحق والحقيقة؛ فهم أَقَلِّيَّة، ولهم شأنٌ آخر، وتعاملٌ آخر.

ومرة ثانية أعود وأكرر، وأطالب أبناء الدعوة بعدم الرد إلا في أضيق الحدود مع التزام الآداب الشرعية في الخطاب.

إن النار المشتعلة حتى الآن على صفحات "الفيس" وغيره... تحتاج إلى مَن يُطفِئُها ويُحاصِرها، فكونوا أنتم البادئين يا أبناء الدعوة، وانْسَحِبوا مِن المواقع والصفحات والمنتديات وغيرها، واعتزلوا كل هؤلاء المُهَاجِمين والمُنْتَقِدين والمُتَّهِمِين، وأَقْبِلُوا على قلوبكم ونفوسكم فأَصْلِحوها وطَهِّرُوها، وانْشَغِلُوا بأحوالكم الأُسَرِيَّة والعائلية "والإيمانية على وجه الخصوص"، عُودُوا إلى عباداتكم وقِراءَاتِكم وأذكاركم، وكُتُبِكُم، واتركوا الساحة تمامًا.

وهذه المواقع التي تشاركون فيها، فيها مُنْدَسُّون، يُحَرِّشون بيْن الإخوة ويوقعون الخصومات، ويُهَيِّجُون الكُلَّ على الكُلِّ؛ لأهدافٍ خبيثة فلا يَستدرِجونكم.

وبعض الإخوة أصبح مدمنًا لهذه الحوارات والنقاشات، والحروب والمعارك؛ لا يستطيع العيش بدونها والاستغناء عنها، فأقول لهم: جاهدوا أنفسكم وعالِجوا أنفسكم مِن هذا الإدمان الجديد!

والبعض يقول: إذا انسحبنا فمَن يدافع عن دعوتنا وشيوخنا؟!

فأقول: توقف أنتَ أولًا، وللدعوة والشيوخ رَبٌ يُدافِع عنهم، ويُظهِر براءَتهم، ويُسَخِّر لهم مَن يُدافِعُ عنهم، وقد حدث! أما أنت أخي فربما دفاعك عن الشيوخ أو الدعوة يجلب مزيدًا مِن الشتائم أو الاتهامات بسبب أسلوبك أو طريقتك.

إن الدعوة السلفية هي منهجي وسبيلي، وشيوخها لهم عليّ التزام أدبي وأخلاقي، أنتمي إليهم ويحزنني أن يُهاجَموا أو يُتَّهَموا، وأعرف براءَتَهم ومواقِفَهم جيدًا، ولا أتحَمَّلُ عليهم أي إيذاءٍ لفظي أو غير لفظي، وأدافع عنهم ما استطعتُ، ومع هذا فأنا أطلب مِن إخواني المشاركين في "الفيس بوك" وغيره، التوقف حتى عن الدفاع عن الدعوة والشيوخ، والمنهج أو أنفسهم... لا تُشارِكوا إلا بأقل القليل مِن المشاركات، واجعلوا مشاركاتكم دعوية، إيمانية، علمية فقط؛ فالنار المشتعلة حتى الآن، يُطْفِؤها سكوتُكم وصمتُكم، وإذا كانت المرحلة الماضية قد مرَّت بأقل الخسائر -وهي كثيرة- فأخاف أن تكون الكلمات والعبارات في المرحلة القادمة كالسيف أو كالرصاص في التأثير والإصرار.

لَمْلِمُوا الجراحات، وأَصْلِحوا بيْن النفوس، وهَدِّئوا الأجواء، وقَارِبوا بيْن النفوس، بل والأبدان إن استطعتم.

سامِحُوا وتَسامَحوا وتَغافَلوا، وعفا الله عما سلف، وابدأوا صفحةً جديدةً ومرحلةً جديدةً، واقْلِبُوا صفحةَ الماضي المليئة بالسَّوَادِ لتَجِدُوا صفحةً بيضاء جديدة.

وقد يقول قائل: تَعَرَّضْنا لظلمٍ شديد، وما زلنا!

وأقول: أَعْرِفُ ذلك وأَعلَمُه جيدًا، ولكن الوقت والمرحلة غير مناسبة الآن للدفاع ضد المظالم؛ فالمناخ العام مسموم، ومُلَبَّد ومُلْتَبِس، ومُعَكَّر ومُكَدَّر؛ فاترُك الظالمَ للهِ يحاسبه.

ولا أريد أخي أن تتحول مِن مظلومٍ إلى ظالمٍ بسبب كلمة غير محسوبة أو عبارة غير دقيقة تكتبها وتشارك بها، فانتبه جيدًا يرحمك الله، فبالفعل كثير مِن المظلومين تحولوا إلى ظالمين بسبب ردود الأفعال غير المنضبطة والكلمات المتجاوزة.

وأرجو ألا يفهمني أحدٌ فهمًا خاطئًا أو يفسِّر كلامي تفسيرًا خاطئًا، فأنا معكم ومنكم، أحب لكم الخير والسلامة والعافية، وأريد منفعَتَكُم وراحَتَكُم، وأَحْرِصُ عليكم جدًّا.

وكذلك بقية الإخوة في الجماعات أو الاتجاهات أو التيارات الأخرى أُحِبُّ لهم الخيرَ والاستقامةَ والراحةَ والنجاةَ والعافية؛ فلْنَتَعاون جميعًا على تهدئة الأحوال وإطفاء النيران، وكونوا أنتم إخواني البادئين؛ يَكُن لكم السبق، فتُفْتَح على أيديكم أبواب الخير، وتسنون سُنَّةً حَسَنَة، ويَقتدِي بِكُم غيرُكم.

ولا تلوموا عليَّ ولا تعاتبوني على كلماتي هذه؛ فهي لمصلحتكم ولمصلحتنا جميعًا، وتنقية الأجواء مهمتنا، والصلح الداخلي مهمتنا؛ فخذوا بأسباب النجاة، وعودوا إلى ما كنتم عليه قبْل الافتراق والاختلاف، وسامحوني إن أخطأتُ في التعبير؛ فلا أريد إلا الإصلاح ما استطعتُ، ولا أريد أن يُنسَب إلى أَحَدٍ منكم أن أخلاقه قد ساءت، ولا أريد أن يُنسب إلى دعوتنا أنها قد تغيرت، ولا أريد أن يُنسب إلى منهجنا أنه قد تبدَّل وتحول!

فإن حدث هذا فلنرجع، ولنستغفر الله، ولنتب إلى الله.

ومرة أخرى وأخيرة قبْل الانتهاء أعود وأقول، وأذكر وأنصح: أطفئوا النيران وهدئوا الأحوال، يرحمكم الله.

وابدأ أخي بنفسك ثم ادعُ غيرك، ولا تتردد، ولا تؤخر.

وفي الختام أقول: هذه وجهة نظري ورأيي الشخصي، فإن أصبتُ فالحمد لله، وإن أخطأتُ فاتركوا ما قلتُ وأنا راجع عنه -إن شاء الله- كله أو بعضه، ولا تختلفوا فيما بينكم بسببي.

والخطاب للنساء أيضًا كما هو للرجال.

والخلاصة: إن "الفيس بوك" أصبح مِن أخطر أسباب الخصومات، ويسبب الخسائر الفادحة، ويعمق الفرقة والاختلاف، فاعتزلوه واهجروه، واتركوه وقاطعوه، وأصلحوا ذات بينكم، وكفى ما فات.

وبعد ما كتبتُ ما كتبته أشهدُ أن الإخوة السلفيين عمومًا "وأبناء الدعوة السلفية خصوصًا" مِن أحسن الإخوة خُلُقًا وأدبًا؛ لا أقول ذلك تعصبًا أو انحيازًا، وإنما بعد مقارنة، بل مقارنات بيْن كتاباتهم وكتابات غيرهم.

وإن كان البعض عنده حِدَّة زائدة؛ إلا أنهم قليلون جدًّا، ويبقى المَجْمُوع صاحبَ خُلُقٍ وأَدَبٍ، ولا أَتَّهِمُ غيرَهم بشيءٍ، وإنما أقول عن أبناء الدعوة السلفية أنهم مِن أحسن الناس خُلُقًا وأَدَبًا.

وقد يقول قائل: ألا توجِّه كلمة إلى بقية الإخوة في الجماعات والأحزاب؟!

فأقول: نعم، أقول لهم ما قلتُه لكم: "أطفِئوا النيران... وهدئوا الأحوال"، وأقولها لكل المصريين "بل كل المسلمين في شتى بقاع العالم": "أطفِئوا النيران... وهدئوا الأحوال".