بالقرآن نحيا.. وبالسُّنة نهتدي

  • 183

إشراقات (بالقرآن نحيا وبالسُّنة نهتدي)
(3) - (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة:185).

موافقة القلب -بدوام تعظيم الرب- لترديد اللسان بالتكبير بعد انقضاء رمضان؛ هو السبيل لتحقيق الشكر له -سبحانه- على هدايته لكَ فيه، مع ضمان دوام توفيقه وهدايته ورضاه.

فها هو الشهر قد انقضى، وتمتْ عدته على ما كان فيه مِن مِنَّةٍ لله على عباده المؤمنين بنزول الرحمة، ووفور النعمة، وتحقيق الزلفى، وتيسير أسباب الهداية بإنزال الكتاب والإعانة منه -سبحانه وتعالى- على الصيام، والصلاة والقيام، والدعاء، وفعل الطاعات، والبعد عن المحرمات؛ فإنك لا تجد إلا أن يلهج لسانك بالتكبير، ويمتلئ قلبك بالتعظيم للرب الجليل -سبحانه وتعالى-.

فتكبيره وتعظيمه في النفس مِن أعظم أسباب الاستقامة على درب الهداية، (فالله أكبر) حينما تعلو في النفوس يهون كل شيء أمامها؛ فلا شهوة تذلها، ولا طاعة تغرها، ولا بلاء يضعفها، ولا فقر ينسيها، ولا غنىً يطغيها، بل تدور النفوس حينئذٍ في بقية الشهور حول رضا الرب الشكور لتستمر على ما كان منها مِن المحافظة على أسباب الهداية مِن قراءة للقرآن، والمحافظة على الصلوات، ومتابعة الصيام، ودوام القيام والإلحاح في الدعاء، مع حفظ الجوارح عن الحرام، ومجاهدة النفس للإتيان بالواجبات والمستحبات، فتحقق بذلك الشكر العملي للرب العلي (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ:13).

وتعيش النفوس حينئذٍ سعادتها -بدوام استشعارها لعظمته سبحانه وتعالى-، فتتذوق حلاوة التكليف مع مشقته، وتستلذ الطاعة مع المجاهدة فيها، فتترقى في مراتب الهداية، وتستبين أمامها سبلها: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت:69).

وتصير تلك النفوس مع ترديدها بوجدانها لتلك الكلمات: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد" تستصغر كل هوى، وكل مكر، وكل قوة، وكل عقبة، وكل شهوة تصدها عن سبيل ربها؛ لأنها صارت ترى كلَّ أحد، وكل شيء، وكل قيمة، وكل حقيقة "صغيرة"، والله وحده هو (الكبير)، فلا تلتفت حينئذٍ لتبدل الأحوال والأحداث والأشكال، وتغير القوى، بل تعيش في ظلال الجلال والكمال له -سبحانه وتعالى-؛ فتهون بذلك عليها مشاق التكليف، وتبعات تبليغ الرسالة؛ فتسعي لإرضاء ربها على كل حال، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، فتصبح تلك النفوس حينئذٍ نفوسًا "ربانية لا رمضانية".

فالله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.

الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.