عاجل

درويش !

  • 212

إن الانفصام بين العلوم آفة قديمة مُحَيِّرة، لا يليق بالقائد أن يكون بمعزل عن احتوائها.

والمعنى.. أن يجمع مقاصد العلوم لا تفصيلها، حتى يضع الشيئ في موضعه اللائق به.

وهذا مُلاحَظٌ في الآونة الأخيرة بقوة على المستوى السياسي والديني أيضا، وسأتحدث على المستوى الديني.

فإن القلاقل والبلابل التي حدثت، نشأت من عدم التصور الصحيح للأحداث والبيانات الكاذبة المتضاربة فيها.

 إن الخلل الحاصل في الوصول إلى الحكم الصحيح فيما يُعرَض على أهل العلم والإفتاء وطَلَبَة العلم والدُّعاة من مسائل أو قضايا سببُه عدمُ تصوُّرِ الشيئ على ما هو عليه؛ فكم من فتاوى صدرت وكان منشأ الخلل فيها هو عدم تحديد التصور، أو الخطأ فيه.

ومن أمثلة ذلك كثير من الفتاوى المتعلقة بأحداث واقعة في بعض البلدان، والمفتي ليس على دراية أو تصور بواقع هذه الأحداث والنوازل، فيفتي بما يخفى عليه، وربما أخذ بتصور غيره وهو تصور قاصر؛ فحمله ذلك عن بلوغ إدراك الأمر على حقيقته؛ فعجَّل بالحكم قبل أن يتثبَّت، وقد قيل: "وما آفة الأخبار إلا رواتُها"؛ فيأتي بأضرار كثيرة، وهذا مُشَاهَد.

قال العَلّامة الألباني -رحمه الله-: "كثير من العلماء قد نصُّوا على أنه ينبغي على من يتولَّون توجيه الأمة، ووضع الأجوبة لحل مشاكلهم: أن يكونوا عالمين وعارفين بواقعهم؛ لذلك كان من مشهور كلماتهم: "الحُكمُ على الشيئ فرعٌ عن تَصوُّرِه"، ولا يتحقق ذلك إلا بمعرفة (الواقع) المحيط بالمسألة المراد بحثها؛ وهذا من قواعد الفُتيا بخاصة، وأصول العلم بعامة".

- هذه قاعدة مستقبلية ذهبية.. "الحُكمُ على الشيئ فرعٌ عن تَصوُّرِه".. ومعناها كما قال الجرجاني -رحمه الله-: "التصوُّر: حصول صورة الشيئ في العقل" وليس المقصود بالتصوُّر الذي تعنيه القاعدة هو مجرد التصوُّر الذهني عن الشيء؛ لأن التصوُّر قد يكون علمًا وقد لا يكون، كالتصور الكاذب؛ فيكون التصوُّر المقصود في هذه القاعدة هو: التصوُّر العلمي الدقيق عن هذا الشيئ، لأن ذلك التصوُّر هو الذي يضبط الذهنَ والفكر عن الخطأ، ويؤدي إلى تحديدٍ مُحْكمٍ، وضبط علميٍّ منهجي لحقيقة الشيء وماهيَّتِه".

.. "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ".