تربية الأولاد بين الألم والأمل (5) تربية الطفل على مراقبة الله تعالى

  • 201

إن الأطفالَ كالأرض الخِصْبَة، إذا أُلقيَت فيها البذورُ الصالحة أنبتت نباتًا حَسَنًا، وأخرجَت ثمرًا يانعًا، وإذا تُركَت وأُهمِلَت نبتت فيها الأشواكُ القبيحة المؤذية. والتربيةُ السليمةُ تبدأ من لحظة قُدوم الطفل إلى الدنيا؛ فهو كالإسفنجَة، يمتصُّ كل ما يمرُّ به، بلا تمييز بين غثٍّ وسَمين، ونافع وضار، وهو يتلقَّى ما يدورُ حوله، ولو كان في ظاهره مشغولًا بألعابه وعالمه الخاصِّ؛ لذلك كان أهمَّ وأَولى ما يجبُ أن يُزرعَ في نفس الطفل: محبةُ الله، ومراقبتُه في السرِّ والعَلَن.

فعندما نربي أولادنا ينبغي أن نرسخ فيهم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك: 12]، وقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الإِحْسَانَ بـــ«أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

وفي أولى سنوات الطفل قد لا يستطيع إدراك المفاهيم المجرَّدَة كالدِّين والحلالِ والحرامِ، ولكن الأهل يوضِحون له ما هو المقبول وما هو الخطأ عن طريق تربيته، وحين يشتدّ عُودُه ويبدأ أفُقَه بالاتساع، حينها يكون على الأهل ربطه بالله -عزّ وجلَّ- وزرع بذور مراقبته له طوال الوقت؛ فينشأ على مبدأ "الله ناظِري، الله شاهِدي، الله مطّلِعٌ عليّ".

وأول وسيلة لغرس الخوف من الله والمراقبة في نفوس الأبناء هي وجود القدوة الحَيَّة والملموسَةِ أمامَهم، والمتمثلة في سلوكيات المحيطين بهم عامةً والوالِدَين على وجه الخصوص.

فيلمس الطفل الحرص على تحقيق الخوف من الله في سلوكيات والديه حتى يقتدي بهما، وفي السن الصغيرة يتم تعزيز المفهوم من خلال شرحه للطفل والإجابة على تساؤلاته حول سلوكيات الوالدين، فإذا سأل الطفل مثلا: «لماذا لا نسمع الأغاني؟»، تكون الإجابة: «لأن الله لا يحب الأغاني وهي حرام، والله يرانا ولا نريد أن يغضب علينا».

كما يتم استخدام أسلوب التربية بالآيات القرآنية من خلال الوقوف على آيات الخوف في القرآن، وتفسيرها بما يتناسب مع عمر الطفل، وتدبرها وجعْل الطفل يحفظها قدر إمكانه ويرددها باستمرار.

ومن أنفع الأساليب كذلك في تعزيز مفهوم الخوف من الله الاعتماد على الحوار والوعظ، كذلك يعتبر أسلوب ضرب الأمثال من أنجح الأساليب، وهو الأسلوب الذي اتبعه لقمان في وعظ ابنه، قال تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (لقمان: 16).

كما يمكن استخدام أسلوب القصة، ومن أروع القصص التي تعزز مفهوم الخوف من الله قصة ابنة بائعة اللبن، حين رَغِبَت الأم في مزج اللبن بالماء بحجة أن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لا يراهما فكان جواب الابنة: «إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فرَبُّ أمير المؤمنين يرانا».

كذلك لابد من تعزيز المواقف واستغلال الأحداث، وربطها بصورة مباشرة بالخوف من الله واستحضار مراقبة الله، فيمكن للأم أن تستغل -على سبيل المثال- فترة الاختبارات وتتحدث عن تحريم الإسلام للغش وربط ذلك بضرورة الخوف من الله -عزّ وجلّ-.