تربية الأولاد بين الألم والأمل (4)... يَا أنَيْسُ، أذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟

  • 183

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا؛ فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ: «وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ»، وَفِى نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: «يَا أُنَيْسُ، أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ». قُلْتُ: «نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ». (رواه البخاري ومسلم).

هذا أنس بن مالك -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قد أثّرت فيه معاملته -صلى الله عليه وآله وسلم- له؛ فوصف النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، ويذكر موقفًا يدل على ذلك الخلق الرفيع، قد حدث له مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو طفلٌ صغير، فقد طلب منه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يرسله يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ». تخيل نفسك أيها الأب الحنون وقد حدث معك مثل هذا الموقف مع أحد أبنائك، ماذا ستفعل؟ كيف ستتصرف مع عصيان ابنك لأوامرك؟

إن ما صدر عن أنس -رضي الله عنه- إنما صدر في حال صغره، وعدم كمال تمييزه؛ إذ لا يصدر مثله ممن كمل تمييزه. وذلك أنه حلف بالله على الامتناع مِن فِعْل ما أمره به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مشافهةً، وهو عازمٌ على فعله، فجمع بين مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وبين الإخبار بامتناعه، والحلف بالله على نفي ذلك مع العزم على أنه كان يفعله، وفيه ما فيه.

ومع ذلك فلم يلتفت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لشيء من ذلك، ولا عرَّج عليه، ولا عاقبه، بل داعبه، وأخذ بقفاه، وهو يضحك رفقًا به، واستلطافًا له، ثم قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: «يَا أُنَيْسُ، أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ». فقال أنس: «نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ». وهذا كله مقتضى الخلق الكريم والحلْم العظيم للنبي الكريم العظيم -صلى الله عليه وآله وسلم-، فعلى الآباء مراعاة حال الأطفال والتعامل مع أخطائهم بما يناسب مرحلتهم العمرية.