تربية الأولاد بين الألم والأمل... بين نموذج ونموذج!

  • 212

إن من أسباب تقصيرنا في تربية أولادنا غفلتنا عن ما نجنيه في الآخرة من ثمرة إحسان تربية الأولاد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». (رواه مسلم). وقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: «يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ؟»، فَيَقُولُ: «بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ». (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وابن ماجه، وصححه الألباني).

يُذكَر عن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- أنه كان يعيش في بغداد وكان والده قد تُوُفِّي، وكان يعيش مع أمِّه، فإذا كان قبل الفجر أيقظَتْه وسخّنَت له الماء ثم توضأ، وجلس يصلي  هو وأمه  -رحمهما الله- حتى يؤذّن الفجر، وكان عمره آنذاك عشر سنين. وعند الأذان تصحبه أمه إلى المسجد وتنتظره حتى تنتهي الصلاة؛ لأن الأسواق حينئذ كانت مظلمة وقد تكون فيها السباع والهوام، ثم يعودان إلى البيت بعد أداء الصلاة، وعندما كبر أرسلَتْه أمُّه لطلب العلم. يقول أحد العلماء: «إن لأُمِّ الإمام أحمد من الأجر مثلَ ما لابنها؛ لأنها هي التي دلّتْه على الخير».

تأمل ما عانته أم الإمام أحمد -رحمه الله- في تربية ابنها، وانظر إلى تقصير كثير من المسلمين في إيقاظ أولادهم لصلاة الفجر، وانظر بإشفاق إلى حال بعض من يسميهم الناس بالملتزمين، فمما يُؤسَف له أنك قد تجد الأب وعليه سمات الخير والالتزام، والأم بكامل سترها، وقُفّازها يغطي يديها، ثم ترى فإذا الابنة قد جاوزت العاشرة أو الحادية عشرة، وهي لا زالت تلبس البنطلون أو الثوب العاري حاسرةَ الرأس أمام الرجال الأجانب سواء في المدرسة أو الأسواق أو غيرها! فتنشأ الصغيرة -مع الأسف- على قلة الحياء والتعوُّد على إبراز الشعر والصدر والنحر والساق، حتى إذا كبرت كان الأمر عاديًا لديها، لأنها نشأت وتربت عليه! فمتى يأمرها والداها بارتداء الحجاب؟ مع أن بعض البنات قد يحِضْن ويبلُغن حد التكليف بعد ذلك بسنة أو سنتين؟! وكيف سينقلها والداها حينئذ مباشرةً من لبس البنطلون إلى لبس النقاب؟!!

إن التربية بالعادة من وسائل التربية، ومن ذلك ما أمر به الإسلام من تعويد الأبناء الصلاة من سن السابعة، ولا يُضرب عليها إلا في سن العاشرة، فتكون السنوات الثلاث فرصة ليتعود الابن على أمر الصلاة.

ومما يدل على أثر العادة في التربية المصلحة أو المفسدة ما ترويه إحدى المربيات أنَّها جيئت بغلام أخرس مدلّل لمعالجته، وتبيَّن فيما بعد أنَّ الطفل سليم، ولكن العلَّة حدثت عندما كانت أمه تدرك من عينيه ما يريد، فتلبيّ طلباته دون أن يحتاج إلى إزعاج نفسه بالكلام، فلما فُصل ووضع عند أقارب له لا يهتمون به كثيرًا أصبح من الناطقين!!