حول قرض صندوق النقد الدولي

  • 337

أعلنت الحكومة عن بدء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بغرض توقيع إتفاق تحصل مصر بمقتضاه على قروض تبلغ قيمتها 21 مليار دولار، منها 12 مليار من صندوق النقض الدولي، و9 مليارات من مؤسسات مالية دولية أخرى.

نعلم ما تمر به مصر من أزمة اقتصادية صعبة بل في غاية الصعوبة، ارتفع فيها الديّن الداخلي والخارجي إلى مستوى غير مسبوق ،وكذلك العجز في الموازنة، ونسبة البطالة مع تدني قيمة الجنية المصري. 

فقد لجأت الحكومة لهذا القرض لحلحلة الأزمة ورفع تصنيف مصر الائتماني والحصول على شهادة ثقة، لجلب مزيد من الاستثمارت، وأود أن أطرح عدة نقاط خاصة بهذا الموضوع: 

أولاً: أن القرض يعتبر عبئًا  ثقيلاً على أي دولة ليس على الجيل الحاضر فقط، بل على الأجيال القادمة المتعاقبة بما يترتب عليه من التزامات مالية وتبعية سياسية من شأنها تكبيل القرار السياسي والتحكم في إرادة الشعوب. 

ثانيًا: هل رفع تصنيف مصر الائتماني وكسب الثقة العالمية ليس له طريق إلا الاستدانة والاقتراض من صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية.

ثالثًا: يشهد الواقع أن غالبية الدول -إن لم تكن كل الدول- التي تعاملت مع مثل هذه المؤسسات المالية ورضخت لشروطها والتزمت بتوصياتها انتهى بها الأمر إلى تفاقم الأزمة والفشل والانهيار وربما إعلان الإفلاس، ولم تر هذه الدول نموًا ولا تقدمًا ولا استقرارًا، ولمصر تجربتان سابقتان عام 1977 وعام 1991.

رابعًا: غالبًا ما تتجه السياسات الاقتصادية التي تفرضها أو توصي بها هذه المؤسسات المانحة، غالبا ما تتجه إلى سياسة الخصخصة وبيع القطاع العام وتقليص دور الدولة في السيطرة على السوق الإنتاجي، وكذلك تخفيض قيمة العملة ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وزيادة الضرائب مما يكون لهذه الإجراءات من أسوأ الأثر على الطبقات الفقيرة والمتوسطة وسيطرة رأس المال الطفيلي على السوق.

خامسًا: حكومة أوصلتنا إلى هذه الأزمة وفشلت في إدارة معظم الملفات فهل تنجح في تدوير هذا القرض والاستفادة منه بما يعود بالنفع على المواطن المصري المطحون؟ أم سوف يزيد البلاء بلاء؟.

سادسًا: وقبل ذلك كله هذا القرض الذي يحدد فائدة ثابتة يعتبر ربًا صريحًا لا يجوز الإقدام عليه إلا باعتبار الضرورة، فهل فعلاً وجدت الضرورة وفق تقدير أهل الخبرة والاختصاص من الاقتصاديين؟ 

نحن جميعًا حريصون على أن تخرج مصر من هذه الأزمة وأن يتعافى الاقتصاد المصري وأن تضع مصر قدميها على طريق النمو وأن يتمتع المواطن المصري بعيشة آدمية كريمة، ولكن لابد من التنبية على بعض الأمور:


أولاً: أن الإصلاح الاقتصادي قرين الإصلاح السياسي فهما قرينان وتوأمان لا ينفصلان، فلا يمكن تحقيق إصلاح اقتصادي بدون إصلاح سياسي يقوم على الشفافية والمشاركة الحقيقية والعدالة الاجتماعية بل العدل بكل صوره، وإعلاء قيمة الحريات وحقوق الإنسان والانحياز للفقراء والطبقات المهمشة المعدومة.

ثانيًا: لابد من قطع أذرع الفساد واقتلاع جذوره التي تغلغلت في كل مؤسسات الدولة بصورة تعيق كل فرص التغيير وتقطع كل أمل في الإصلاح، وأعتقد أننا لو اقترضنا كل ما في خزينة المؤسسات المالية العالمية سوف تبتلعها بالوعات الفساد المفتوحة على مصراعيها ولن يكون نصيب المواطن من هذه القروض إلا دفع الفاتورة.

ثالثًا: مع الإصلاح الاقتصادى يجب إصلاح المنظومة القيمية، والأخلاقية للشعب المصري التي أصابها كثير من الخلل والتصدع بل والانهيار، فبناء الإنسان مقدم على رفع البنيان وبناء البشر قبل بناء الحجر، فالإنسان هو الركيزة الأولى والرئيسة لأي منظومة إصلاح.

رابعًا: قبل اللجوء إلى حلول جزئية  قصيرة الأمد لابد من وجود رؤية اقتصادية متكاملة للنهوض بمصر اقتصاديًا ووضع قدمها على طريق النمو والتقدم كما فعلت بلدان أخرى، كانت ثم أصبحت، مع تبني الدولة سياسات اقتصادية واضحة المعالم للخروج من هذه الأزمة.

خامسًا: الأمر يحتاج إلى حوار مجتمعي حقيقي، وإلى إنشاء مجلس متخصص أو مجموعة اقتصادية أو ورشة عمل "تحت أي مسمى" تجمع خبراء اقتصاد مصريين من الداخل والخارج وسياسيين ومستثمرين ورجال أعمال على اختلاف توجهاتهم للخروج برؤية اقتصادية واضحة تسير عليها البلاد وتوضع أمام متخذي القرار.

يجب التحرك السريع وتضافر الجهود لإنقاذ مصر من مصير ندعو الله ألا تصل إليه.