زاد الدعاة صدق الإيمان بالله عز وجل

  • 207

الإيمان بالله هو خير الأعمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، عندما سأله الصحابي الجليل عن أفضل الأعمال؛ فقال: "إيمان بالله ورسوله" وهو طريق الهداية الذي به ينعم صاحبه بالسعادة في الدارين، كما قال الله عز وجل: (مَن عمل صالحًا مِن ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينَّهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون).
 
وهو التجارة الرابحة التي ينجو بها صاحبها من العذاب الأليم، كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين امنوا هل أدلُّكم على تجارةٍ تُنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله).
 
ولا بد للإيمان من ضوابط حتى يقبله الله عز وجل، وينتفع به صاحبه، وذلك في قوله تعالى: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا)، وكذلك في قوله تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون).
 
فالإيمان المتقبل الذي يظهر واقعًا في حياة صاحبه، ويجعله دائمًا منضبطًا بضوابط الشرع، وواقفًا مع حدود الله سبحانه وتعالى. لا بد أن يكون كإيمان الأوائل -صحابة النبي صلى الله عليه وسلم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار- ذلك الإيمان الذي تربوا عليه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك الإيمان الذي تحيا به الأفراد والمجتمعات والكيانات إلى قيام الساعة لقوله تعالى: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وان تولَّوا فإنَّما هم في شقاق).
 
الإيمان الحقيقي عند أهله أغلى وأعظم ما يملكونه، ويعتزُّون به، ويُحافظون عليه، ويجتهدون في زيادته في الأعمال والنيات والأخلاق، لا يتساهلون في فقدانه أو إحباطه لأثرة عندهم أو حظ نفس، أو حرصًا على إرضاء غير الله بما يجلب سخط الله عز وجل.
 
فالإيمان تتواصل به الصفوف، وتجتمع به الكلمة، وتحيا به القلوب والجوارح، ويصبح أهله مباركين أينما كانوا، دائمًا هم أهل بذل وعطاء يقوى بإيمانهم كيان الفرد والأسرة، وكيان الدعوة، وكيان الأمة، ويعالج مهارة البعض في صناعة العدو، وولادة الناقد والحقود، فضلًا عن العدو والمعاند.
 
الإيمان هو النور، وهو الحياة التي يحرص عليها الدُّعاة إلى الله عز وجل، بل كل مؤمن يجب أن يجتهد في تحصيله وحفظه؛ حتى يلقى الله عز وجل وهو عنه راضٍ (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم بُشراكم اليوم جنات).
 
ويلزم المؤمن الداعي إلى الله عز وجل ليزداد إيمانه من محاسبة نفسه، ومراجعة رصيد الإيمان عنده؛ حتى يجد الأثر في خاصَّة نفسه، وفي أهله وعشيرته، ومِن ثَمَّ في جيرانه وأصحابه، ثم في محيط دعوته وإخوانه.
 
لذلك يلزم المؤمن العاقل الفطن أن يتحقق من إيمانه، هل هو ذا أثرٍ في حياته ومعاملاته، أم لا؟ ويجتهد في لحظ علامات القبول لأعماله، وذلك يظهر جليًّا في أنه مُيَسَّر لليُسرَى وللزيادة في كل أحواله، مع لزومه للخوف وسوء العاقبة، ويتخيَّل أنه سيفارق الدنيا اليوم أو غدًا؛ فهل عنده من صالح العمل ورصيد الإيمان ما يجعله فَرِحًا بلقاء الله عز وجل؟ لأنه من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن.
 
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين) وأَمْيَز ما يظهر الإيمان في العطاء والمنع والحب والكره والولاء والبراء، وفيما يشق على النفس ويرضي الله ولو بسخط الناس.
 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم). صحيح الجامع وحسنه الشيخ الألباني.
 
يلزم المؤمن أن يتضرَّع إلى الله ليل نهار في أن يحفظ عليه إيمانه، وأن يزيده ويرزقه إدراك طعمه وحلاوته؛ لأن الإيمان الحقيقي يُثمِر:
 
1- السعادة والفرح وقرة العين بالله، ومن قُرَّت عينه بالله، قُرَّت به كل الأعين.
 
2- الخوف والخشية والورع والإخبات.
 
3- يُثمِر طمأنينة القلب والأمن والهداية والثبات ومحبة أهل الإيمان.
 
4- يُثمِر جنة الدنيا من ملازمة التوبة والاستغفار والاحتساب والتجارة مع الله عز وجل.
 
5- يُصحِّح العمل ويجعله مقبولًا، كما قال تعالى: (ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين).
 
6- الإيمان الحقيقي يحمل صاحبه على الالتزام ومحاسبة النفس، ودائمًا صاحبه يسعى ويخشى ويتذكر ويتزكى.
 
7- الإيمان ملجأ الصادقين في الملمات والشدائد، كما قال تعالى: (استعينوا بالله واصبروا).
 
8- الإيمان شجرته تؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها، ويتحقق ويُسْتَجْلَب به حب الله، والعون على طاعته.
 
9- الإيمان يُقوِّي وازع العبد واجتهاده في معرفة الله بأسمائه وصفاته، وما يتبع ذلك من شهود آثار الأسماء والصفات التي يقوى بها الإيمان ويثبت. قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة، والله وتر يحب الوتر).
 
10- الإيمان يزداد فيثمر عبودية الإحسان، ولا بديل عن الإسلام والإيمان والإحسان في تربية الفرد والأمة، وفي نجاة العبد في الدارين، وفوزه بالجنان.
 
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.