الشباب.. ودعاة الفتنة وجهلاء الدين

  • 158

لا يزال الحديث موصولا عن الإرهاب والعنف والقتل الذى تمتلأ به شاشات الفضائيات، وأخبار الصحف العالمية والمحلية، وتعج به مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى، ذلك الإرهاب المنتشر فى منطقتنا العربية على وجه الخصوص، وترتكبه جماعات تحمل مسميات إسلامية وترفع شعارات دينية، وتذيع عبر قنواتها ومواقعها آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وتحاول أن تلتصق بالإسلام وكأنها تملك الحق الحصرى للحديث باسمه، وكأنهم وكلاؤه وحاملى لوائه والمدافعين عنه، وهم فى واقع الأمر يحملون ذورا وبهتانا وإثما مبينا؛ لأنهم لا يكذبون على الناس، وإنما يفترون على الله كذبا وادعاء، ويحاولون أن يبيعوا آياته بثمن بخس، ويظنون أنهم هم الفائزون، ألم يقرأوا آياته ويتدبروا أحكامه؟! ألم يستمعوا إلى أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام؟! ألم يطلعوا على سيرته الشريفة وسياساته المختلفة حربا وسلما؟! فكتب السيرة وسجلات التاريخ مليئة بالأحداث والمواقف التى تقدم رؤى حقيقية عن الإسلام وجوهره.
 
ولكن يبدو أن مثل هذه الجماعات لا تقرأ إلا ما يُملى عليها، ولا تفهم إلا ما يُقدم لها من أردأ الأطعمة وأخبثها؛ فيأخذون من الدين الهوامش، ومن الأحاديث أضعفها، ومن الأحكام أشدها وأغلظها وأكثرها خروجا عن الفهم الوسطى لطبيعة الدين الإسلامى السمح.
 
تلك مقدمة طويلة أجملت فيها ما تعانى منه الأمة الإسلامية فى هذا الزمن الصعب الذى اختلطت فيها المفاهيم، وتداخلت فيه الحقائق حتى غُشيت على كثير من المتعلمين، بل والمثقفين، فتجد المرء يحتار بين هذا الموقف وذاك رغم وضوح الرؤية لدى علماء الأمة الذين تعلموا صحيح الدين وحقيقته؛ وهو ما تحدث عنه القرآن الكريم فى قوله تعالى: "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ"، فقد قدمت هذه الآية حلا لما يواجه الشباب اليوم حينما تتحدث عن المُحكم فى كتاب الله والمتشابه الذى يحتاج إلى تأويل وتفسير يختص به أهل العلم وحدهم دون أن يُسمح لكل من قرأ كتابا، أو اطلع على حديث، أو استمع إلى ندوة أن يصبح مُفتيا يحدد للناس دينهم كما نرى اليوم، فهل ما يقوم به تنظيم داعش الإرهابى وملحقاته وأتباعه من الدين الإسلامى؟! هل يفهمون حقيقته؟! هل قادة هذا التنظيم من العلماء القادرين على تحديد المحكم من آيات الله والمتشابه؟! هل ما تقوم به جماعة الإخوان فى مصر اليوم من الدين؟! هل يفهم قادتها حقيقة الاختلاف فى الرأى فى قضايا السياسة وشئونها؟! هل اطلعوا على سيرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى صلح الحديبية وكيف كان الصلح بشروطه التى رآها المسلمون آنذاك مجحفة لهم، فى حين أن الواقع أثبت أنها كانت فى صالح المسلمين مائة%؟! ألم يفهموا ما هى الرسالة الحقيقية للإسلام دينا ومعاشا؟! ألم يعلموا أن من أهم وسائل نشر الإسلام وانتشاره كانت فى طبيعة أخلاق وممارسات أتباعه؟! ألم يقل رسول الله :إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق؟! هل ممارسات التنظيمات التى تحاول أن تلتصق بالإسلام اليوم لها صلة بالأخلاق والمبادئ والقيم الإسلامية الصحيحة؟!
 
ولكن الصوت المرتفع الذى يعلو بالباطل والفتن قد يصل إلى الناس، إلا أنه لن يدم طويلا امتثالا لقوله تعالى" :أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ? وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ? كَذَ?لِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ"، فكل ما خف وزنه ومقداره يتطاير فى الهواء، أما الشيء النفيس الذى يحمل وزنا يمكث فى الأرض لينتفع به الناس فى معاشهم وحياتهم؛ فبالأمس القريب كان تنظيم القاعدة يملأ الأرض صوتا وتحركا وتهديدا، واليوم لم يعد لوجوده وأتباعه سوى القليل النادر، وغدا سيكون مصير تنظيم داعش وأتباعه.. لكن المشكلة الأساسية التى نواجهها هى أن مثل هذه التنظيمات تُسيئ إلى الدين الإسلامى حينما تحاول أن تقدم صورته للعالم بهذه الممارسات.
 
صحيح أن الكثيرين وعوا أن ثمة فارق بين جوهر الدين وحقيقته وبين ممارسات أتباعه والمؤمنين به، إلا أنه من الصحيح أيضا أن ثمة مسئولية تتحملها المؤسسات الدينية المعنية بالذود عنه والدفاع عن نبيه وأتباعه عبر الرسائل التى تحمل صحيحه وحقيقته ونشرها وتعميمها لدى الجميع. وحسنا حينما شكل الأزهر الشريف حملات للتوعية ونشر الفهم الصحيح عن الدين الإسلامى خاصة لدى النشء والشباب؛ حماية لهم من الوقوع فى براثن مثل هذه التنظيمات الإرهابية التى تحاول أن تضللهم بتفسيرات خاطئة لآيات الله وأحكامه.
 
خلاصة القول: إن ما تواجهه الأمة اليوم خاصة شبابها من فتن كظلم الليل بسبب ما يقدمه بعض من ينتسبون إلى الإسلام ويحاولون أن يستخدموا آياته وأحاديثه كوسائل وأدوات للترويج لأفكارهم الهدامة وممارساتهم الإرهابية، وينطبق عليهم قوله تعالى: "ما لهذا القوم لا يفقهون حديثا"، تستوجب أن يتحمل الجميع: "الدولة بمؤسساتها المعنية، والمجتمع بتكويناته المختلفة" المسئولية فى مواجهة هذا الفكر ومحاربته، ليس فقط بالاعتماد على الأداة العسكرية والأمنية وإن مثلت المرتكز الأساسى فى الوقوف فى وجه هذا الإرهاب، ولكن أيضا بالأدوات الأخرى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية من خلال معالجة الأسباب المؤدية إلى خلق البيئات الحاضنة له.