المصالحة المصرية القطرية.. دروس مستفادة

  • 160

في خطوة في الاتجاه الصحيح، عادت عقارب الساعة إلى دورانها الطبيعي في العلاقات المصرية القطرية بعدما كانت تدور في اتجاهها العكسي، فقد نجحت المبادرة السعودية في بدء عودة علاقات البلدين، أخذا في الاعتبار أن هذه العلاقات لم تشهد تصعيدا في مستوياتها كما حدث مع بلدان أخرى ناصبت العداء للإرادة الشعبية التي جسدتها الثلاثين من يونيو 2013 وتحديدا كما حدث مع تركيا، حيث أدركت القيادة السياسية ضرورة العلاقة المصرية مع أشقائها العرب حتى ولو كان هناك من يغرد خارج السرب أو يتبنى وجهات نظر لا تتفق مع المصالح العربية المشتركة.
 
وغنى عن البيان التأكيد على أن جهود المصالحة التي بذلتها المملكة العربية السعودية لا تصب في خانة مصلحة البلدين فحسب، بل تصب في مصلحة دول المنطقة بأسرها والتي تواجه تحديات مصيرية، بما يستوجب أن تكون قراءة هذه الخطوة في إطار أوسع من مجرد البحث عن شروط المصالحة وضوابطها.
 
صحيح أنه من المهم أن تكون الشروط التي تمت على أساسها المصالحة شروط موضوعية تحافظ على مصالح الأطراف كافة، إلا أنه من الصحيح أيضا أن هذه الشروط رغم ما يدعيه البعض من أن المستتر منها أكثر بكثير من المعلن عنه، إلا أن المهم هو الالتزام بها وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، والاستفادة من هذه الأزمة عبر استخلاص الدروس والعبر، فتاريخ الأمم مجموعة من التجارب والخبرات التي يجب أن تُقرأ في إطار الصحيح حتى لا تكرر ذات الأخطاء وتحصد ذات الخسائر.
 
ومن أهم الدروس المستخلصة والمستفادة من هذه المصالحة التي تحتاج إلى تسجيل تحفظه أوراق التاريخ وسجلاته ما يلي:
 
•         ليست مصادفة أن تأتي هذه المبادرة الناجحة من جانب المملكة العربية السعودية، فالتاريخ يؤكد على دور متميز للمملكة في محاولاتها المستمرة لرأب الصدع في أية خلافات عربية- عربية كما حدث في عودة العلاقات الكويتية العراقية، أو حتى داخل البلد العربي الواحد كما يعبر عنه الدور السعودي في الأزمة اللبنانية منذ ما عُرف باتفاق الطائف عام 1975 وحتى اليوم. فالدبلوماسية السعودية تنطلق في تحركاتها الدولية من مجموعة من المبادئ والأسس الحاكمة، من أهمها ترسيخ السلام في العلاقات الدولية، وإيجاد مساحات من التعاون والتفاهم بين مختلف الأطراف وخاصة في محيطها العربي والاقليمي. فلم يكن من المتصور أن تتم المصالحة المصرية القطرية بهذه السرعة في ظل موقف يزداد تعقيدا وتصعيدا في ضوء بعض الممارسات الإعلامية التى تُرتكب من جانب أجهزة الاعلام القطرية حيال الشأن المصري وتدخلها الفج والمرفوض في سياستها ومواقفها الداخلية والخارجية، إلا أن حكمة القيادة السعودية وحنكتها في إدارة كثير من الملفات الخلافية التي تعاني من المنطقة ساهمت بلا شك في سرعة انجاز هذه المصالحة ووضع أسس صحيحة لإدارة علاقات البلدين بعيدا عن المزيدات السياسية والصيحات الإعلامية.
 
•         كانت الاستجابة المصرية للمبادرة السعودية والترحيب بها سريعة، حيث استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي كل من رئيس الديوان الملكي السكرتير الخاص لخادم الحرمين الشريفين ومبعوثه في هذه المهمة خالد بن عبدالعزيز التويجري، والشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني مساعد وزير الخارجية القطري مبعوث أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لهذه المهمة، وهو ما يعكس أمرين: الأول يرتبط بالتاريخ، فمصر بمكانتها وتاريخها وقيمتها وقامتها في التاريخ الإنساني بصفة عامة وفي تاريخ المنطقة العربية بصفة خاصة، قد تحملت الكثير في سبيل إرساء قيم الأمن والاستقرار والتعاون بين مختلف الأطراف، فرغم العداءات التي واجهتها إلا أن سياسة التسامح والتعاون على أساس من الاحترام المتبادل، كانت منهاجا لتوجهاتها الخارجية. أما الأمر الثاني يرتبط بالجغرافيا، حيث تدرك القيادة السياسة المصرية الحالية جيدا أن مهما تباعدت مساحات التفاهم المصري مع عالمها العربي ومحيطها الإقليمي، فإن جفرافيا مصر وموقعها الجيواستراتيجيى في قلب العالم العربى يفرض عليها حتمية بناء علاقات عربية تعاونية وليست صراعية، أخذا في الاعتبار أن هذا النهج لا يعني الاستسلام أو التساهل مع من يعتدي على مصر وشعبها سواء أكان اعتداءا ماديا أو غير مادي، وإنما تعلو مصر دائما على الملمات والصغائر في سبيل حماية أمنها القومي وصون وحدة أمتها العربية، وهذا قدرها وهي قادرة على أداءه وناجحة في تحمله.
 
•         كما أدركت مصر قدرها كشقيقة كبرى وجب عليها تحمل تصرفات ربما لا يدركها الآخرون حينئذ، فعلى الشقيقات العرب أن يدركن أن أمنهم القومي وسيادتهم واستقلالية قراراتهم لا يمكن أن تتحقق من دون الأمن المصري والاستقلال المصري، فالتاريخ الممتد يؤكد للكافة أن مصر هي حائط الصد الأخير لدول المنطقة كافة ولعل ما جرى في معركة حطين في مواجهة المغول والتتار، وما جرى في صد هجمات الحملات الصليية على الشرق، يؤكد على صحة هذا الاستدلال. وعليه فإدراك قادة الدول العربية وزعمائها حتمية الوقوف إلى جانب مصر في أزماتها ومشكلاتها، لا يعني الدفاع عن مصر وشعبها بقدر ما يعني الذود عن أمنهم القومي والدفاع عن مصالحهم الوطنية. وحسنا ما أدركته الشقيقة قطر حينما جاء في بيانها الأميري الأخير ترحيبا بالمصالحة، بوقوفها إلى جانب مصر انطلاقا من أن أمن مصر من أمنها.
 
نهاية القول إن المصالحة المصرية القطرية رغم أهميتها وضرويتها للأطراف كافة وفي مقدمتهم مصر وقطر، إلا أن خطابات المصالحة واللقاءات التي تتم في سبيل إتمامها لا تغني عن أهمية التطبيق العملي والتنفيذ الفعلي لما تم الاتفاق عليها، من خلال البدء الفوري في الخطوات العملية والإجراءات التنفيذية لبناء الثقة المتبادلة. صحيح أن سمات هذه العملية التدرج الزمني بمعنى أنها قد تأخذ بعض الوقت، إلا أن ضمانات نجاحها تستوجب أن تكون الإجراءات المنفذة لها متزامنة ومتبادلة، وهو ما ننتظره جميعا حتى نطوي صفحة سوداء في ملف العلاقات المصرية القطرية ووضع حد لحالة الشد والجذب الذي تميزت بها علاقات البلدين منذ منتصف التسعينيات من القرن المنصرم. فالتحديات التي تواجهها دول المنطقة تستوجب وحدة الصف العربي وتلاحمه، وإلا نجحت المخططات كافة المرسومة بحق دولها وإعادة رسم حدودها بما يتفق ومصالح الأطراف الدولية وحلفاءها الإقليميين على حساب الشعوب العربية ومستقبل أبناءها، ونندم جميعا في وقت لا ينفع فيه الندم.