ظمأ الروح.. وأولويات الداعية

  • 206

ورد فيما رواه أبو داود الطيالسي وغيره بأسانيدهم، عن عبد الله بن أوس بن حذيفة الثقفي، عن جده أوس رضي الله عنه قال:"قدمنا وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم فنزل ا?حلافيون على المغيرة بن شعبة، وأنزل المالكيين قبته، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيحدثنا بعد العشاء ا?خرة حتى يراوح بين قدميه من طول القيام، فكان اشتكاء قريش؛ يقول: كنا بمكة مستدلين مستضعفين فلما قدمنا المدينة انتصفنا من القوم، فكانت سجال الحرب علينا ولنا، فاحتبس عنا ليلة عن الوقت الذي كان يأتينا فيه ثم أتانا فقلنا: يا رسول الله، احتبست عنا الليلة عن الوقت الذي كنت تأتينا فيه؟! فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه طرأ علي حزبي من القرآن فأحببت أن ? أخرج حتى أقرأه أو قال :أقضيه".

فلما أصبحنا سألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحزاب القرآن كيف تحزبونه فقالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل". 
مسند أبي داود الطيالسي (1108)، وأخرجه أبو داود السجستاني وابن ماجه.
 
هذا الحديث يبين قيمة الورد القرآني في حياة الداعية، وكيف أن اهتمامه بقلبه ووصله بالقرآن هو سر حياته وحياة دعوته، بل وحياة ا?مة بأسرها إذا بارك الله في خطاه وفي آثاره. 
وسمي الورد "وردا" إشارة إلى ورود الماء وكأنه ماء الحياة وهو القرآن.

قال السخاوي:"والورد أظنه من الورد الذي ضد الصدر ?ن (القرآن يروي ظمأ القلب)".
 
ففي ظل الفتن التي تموج كموج البحر المظلم، وفي ظل ظلمات الغربة المتكاثرة تذهب رطوبة القلب ويتيبس ويقسو وتغور فيه معاني الحياة والنور، ويظمأ ظمأ تتشقق من جرائه حناياه شوقا لغيث وري ? يكون إ? بشكل منتظم وغذاء متكامل بوجبة غنية مفعمة بحب الله والشوق إليه، والخوف منه ورهبته ورغبته؛ وذلك من ديمومة الورد القرآني الذي يطفئ ذلك الظمأ ويطفئ نيران الشهوات، ويحرق حشيش الشبهات الذي يذهب جفاء مع ذلك السيل المبارك من الماء الطاهر الثجاج الذي يغمر القلب.
 
وتأمل في قولهم: "فاحتبس عنا".
كثير منا قد يفضل العمل المتعدي النفع على العمل الفردي التعبدي في الجملة ويقول: "هذا ينفع ا?مة وذاك نفعه قاصر على فرد".
وهذه نظرة قاصرة..!
 
وتستطيع أن تفسر انقطاع كثير من الأعمال الدعوية وعدم إتمامها على الوجه اللائق أو استمرارها بدون ثمرة جنية حقيقية بسبب تلك النظرة.
فلما كان القائمون على ذلك العمل المتعدي قد تسطح عندهم ا?يمان وأصبح قشورا ظاهرة لم تضرب بأطنابه في تربة قلوبهم لقسوتها.
 
تسطح أثرهم وأثر أعمالهم في تقدم ا?مة في مسيرة الإصلاح إلى الله.
 
النبي محمد صلى الله عليه وسلم إمام الدعاة وقائد تلك القافلة النورانية التي غيرت و? زالت تغير مجرى التاريخ والمستقبل احتبس عن موعظته ليلة.. لماذا؟
 
ليروي ظمأ روحه وقلبه وهو الذي نزل على قلبه القرآن..!
 
فكيف بقلوب مريضة بالجهل والشهوة والغي والضلال؟!

فكيف بقلوب ماتت وكفنت في أعماق تراب الحياة.. ومع ذلك متصدرة لعمل إسلامي تفسد أكثر مما تصلح؟!

كيف تكون حاجتها لكي تستفيق من الغيبوبة ومن مكر الشيطان بهم؟!


إن العمل المتعدي (الدروس، والمحاضرات، والندوات، والمؤتمرات، والعمل الحركي وا?جتماعي) أهم في الجملة من الجانب التعبدي في حياة الداعية هكذا بدون تفصيل.. بنظرة ساذجة سطحية بعيدة عن العمق الموضوعية ..!
 
علينا أن ننزل كل أمر منزله ونعطي كل ذي حق حقه..


وأولى الحقوق لتلك الآلة المنتجة للأقوال وا?فعال والسلوكيات  المستجلبة للتوفيق من السماء.. ألا وهي القلب..

طروء وردك وحزبك مدعاة للانقطاع وا?حتباس حتى تنهيه ما لم يتعارض مع واجب عيني تأثم بتركه ..

مقتض لغلق هاتفك وغلق موقع التواصل ا?جتماعي، وإلغاء درس وتأجيل موعد ولقاء حتى تنهيه..

وا?مر في منتهى البساطة لو استغللنا أوقاتنا ولم نضيعها في اللغو واللهو واللعب..!
 
ولكن إذا مالت الكفة ? تجعلها تميل على جانب ظمأ الروح..
 
? تجعل كفة العبادات التي تخلو من حظ النفس في الظهور والشهرة، على العبادات التي توثق صلتك بربك خالية من شوائب الرياء والسمعة ..
 
كن فقيه النفس فطنا لخيانتها وخسة شراكتها، وكثرة أمرها بالسوء..


ورتب أولوياتك على وفق إمامك المصطفى صلى الله عليه وسلم في إصلاحك وصلاحك ودعوتك.
 
? نشترط وردا معينا بكم معين ، ولكننا نشترط وردا يطفئ ظمأ الروح، دائم ? ينقطع؛ ليكون أولى الأولويات.