الأمة وزمن التحديات (1-2)

  • 175

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
 
تعيش الأمة مرحلة من التحديات عجيبة وغريبة ومتنوعة ، تحديات على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع بأسره ، فتن وأزمات وعقبات ومعوقات كقطع الليل المظلم ، جزء منها بأيدينا وجزء منها يحاك لها من خلف الستار ، ومن وراء البحار ، وليس في ذلك غرابة ولا كثير عجب ، ونحن نوقن أن المعركة طويلة جدًّا وهي أصلًا قديمة ومتجددة وباقية إلى قيام الساعة ، ومن يظن أن أعداء الأمة يكفون عن المؤامرات والكيد والمكر فهو واهم لا يعرف حقيقة الصراع ، ولا يفقه التاريخ ، ولا يدرك الواقع فضلًا عمن يريد أن يأخذ كل ما عند أعداء الأمة حتى ما يتنافى مع هويتها وثوابتها وشرعتها فهذا مطموس منكوس.
 
المهم الآن ليس الكلام عن نظرية المؤامرة لكن المهم هو إدراك هذه التحديات والتصدي لها ، والسعي للقيام بالأمة والنهوض بها ، واليقظة والاستمرار عليها بدون إهمال أو تراخٍ ، وعدم التخلي عن المسئولية ، فالتحديات لا تزول بالإهمال ولا تتبخر بمجرد متابعة البرامج الساخنة والتحليلات السياسية فقط ، أو بمجرد معرفة خطط العدو وتقسيماته الجديدة للمنطقة ، بل تزول بالعمل ، فالأمر خطير جد خطير والكل أيقن الآن أننا نعيش في الزمان الصعب ، وفي الحقيقة هذه هي طبيعة الحياة ، وهو أمر ملازم لها ، حتى أن السادة العلماء قالوا : ( من طلب الراحة ترك الراحة ) وقال آخر : ( لا يذوق العبد طعم الراحة إلا عند أول قدم يضعها في الجنة ) ، بل من الخلل التربوي اعتقاد أن الحياة يجب أن تكون سهلة ويسيره ، ونقول لمن يظن أنها كذلك إن كان هذا عقلك فقد استرحت.
 
هذه الأمة لها ماضٍ وجولات مع الباطل ، وانتصارات على جميع المستويات ، ولكنها الآن تواجه العديد من التحديات على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.
 
التحدي الأول : على مستوى الفرد
 
يواجه المسلم تحديات وعوائق وعقبات : منها طغيان النظرة المادية للحياة وضعف الجانب الإيماني والروحي، واليأس في مواجهة الذنوب والمعاصي ، مع أنانية مفرطة وفردية مقيتة واعتمادية وحب للشهوات والملذات ، مما أسهم في انتشار الكسل والقعود والتعلق بالدنيا والنزوات الشخصية ، ونحن نؤكد ونقول لا إصلاح ولا تغيير إلا بإصلاح الفرد قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) ، فينبغي على الفرد أن يرفع شعار ( البداية من عندي ) ويتحول من النظرية المادية إلى النظرة الأخروية ، مع الأخذ بالأسباب ، ومن الأنانية إلى العطاء والبذل والاحتساب ، ومن الفردية إلى الجماعية والتكاتف والتعاون ، ومن حب الشهوات والملذات إلى حب الطاعة والعمل الصالح.
 
أيها الجيل أصل التغيير تحضير الإنسان وإعداده إن كنا نريد تقدم وتغيير وإصلاح حقيقي ومواجهة هذه التحديات والتصدي لها.
 
التحدي الثاني : على المستوى الأسري
 
الأسرة تواجه تحديات وعقبات وعادات وتقاليد ، فقد تغربت الأسرة وأصبح لها مشارب وقناعات جديدة ، تخالف وتتصادم مع الوحي المنزل والقواعد الشرعية ، ولا أحد ينكر أن كثيرًا من الأسر أصبحت تستورد وتقتني أمورًا ومستجدات من الغرب ، مثلها مثل الموضة ، وأُبرَز لها قدوة غير القدوة ونموذج غير النموذج، فأصبحت مولعة بها وقلدتها وصدق القائل : ( ويلٌ للمهزوم من المنتصر ) ، وأضف إلى هذه التحديات ، تحديات يومية أفقدت بعض الأسر صوابها وشغلتها عن نفسها ، وهي غلاء الأسعار والبطالة وقلة ذات اليد وإعلام مأجور والاستخدام الخاطئ لوسائل البث المباشر والفضائيات وشبكة التواصل الاجتماعي ، وتراجع الجهود التربوية والإعداد والتأهيل داخل أهم المحاضن على الإطلاق ألا وهو (الأسرة) ، فأصبحت الأسرة هائمة على وجهها تبحث عن العاطفة والحنو والسعادة في أروقة المقاهي والملاهي والأندية وغيرها ، مما أدى إلى غياب الدفء والشعور الأسري فأصبحنا نسمع الطوام والفجائع والفظائع ، فضلًا عن انتشار صور العقوق والإدمان والتفكك الأسري والطلاق والخلع والعنوسة  ، فنحن أمام تحديات أسرية عديدة وخطيرة...
 
كانت المرأة الصالحة تقول لزوجها : ( يا زوجي اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا حلالًا ، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على حر النار ) ، ورحم الله القائل : ( إني لأعصي الله فأجد ذلك في خلق زوجتي ودابتي وخادمي )
 
نريد أسرة محضن للأجيال معلمة لهم ، تغرس القيم والأخلاق والسلوكيات الطيبة والإيجابية تجاه الأمة.
 
يا راعي الأسرة المسئولية عظيمة أمام الله عز وجل قال تعالى : (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )) قال علي بن أبي طالب :( أدبوهم وعلموهم ) ، وقال تعالى : ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا))
 
إياك أن تظن أيها الأب وأيتها الأم أن المطلوب مجرد الطعام والكسوة فقط بل الأمر يحتاج رعاية وتأهيلًا وتربية ، وعلينا مسئولية كبيرة ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( شر الرعاة الحطمة ) يعني الذي يحطم من يعول ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من راع استرعاه الله رعية فبات غاشا لها لم يرح رائحة الجنة ) ، فحاجة الأسرة إلى القدوات كحاجة الإنسان إلى الطعام والشراب بل أشد قال تعالى : ((وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا )) وكان سعيد بن المسيب يقول لولده : ( أما إني يا ولدي أطيل في صلاتي رجاء أن يحفظني الله فيك ).
 
وللحديث بقية بإذن الله تعالى.