آلآن حانت قراءة الواقع؟!

  • 144

لقد استمعت لجزء من حوار الدكتور حمزة زوبع على قناة الجزيرة إثر قرار الاستبعاد أو طلب المغادرة أوالخروج الطوعي لبعض قيادات الإخوان من قطر، ولفت نظري واستوقفني ما قاله عن أهمية قراءة الواقع والنظر فى المتغيرات، وذلك فى معرض حديثه عن الضغوط التي تمارَس على قطر بسبب وجودهم فيها، وكيف أنهم راعوا مصلحة قطر نظرًا للمتغيرات الدولية والمستجدات في المشهد، وأن هذا ما يلزم السياسي والثوري ألا ينتظر حتى تقع المخاطر أو كلام نحو ذلك .
 
وفضلا عما ذكره أيضا - وكذلك غيره- من وجوب المراجعات لما حدث فى الفترات الماضية؛ فقلت والقلب يعتصر ألمًا وأسى:
 
ـ آلأن أدركتم أهمية قراءة الواقع ووجوب استكشاف المخاطر والنظر فى المآلات والعواقب؟!
 
ـ آلآن وبعد أن ضاعت كل الفرص وخُسرت جل المكتسبات بل كلها، وخابت كل المراهنات؟!
 
ـ آلآن بعد أن سالت الدماء وأزهقت الأرواح، وعظمت الخسائر، وشوهت الصورة، ولحق الضرر بالقريب والبعيد؟!
 
ـ  آلآن وبعد ظهور العواقب والنتائج أدر كتم أنه لابد للسياسي من قراءة الواقع والاستجابة للمتغيرات؟!
 
وبعيدا عن التفسيرات التي يفسر بها البعض هذا الكلام بأنه تمهيد للمصالحات وقبول الشباب للقرارات القادمة واعتبار ذلك حنكة وذكاء بعد أن كان عمالة وخيانة .
 وبعيدًا عن هذا يحق لنا أن نطرح السؤلات التالية فنقول:
 
 ـ أين كان هذا الفهم حينما قرأت الدعوة السلفية وحزب النور الواقع واستكشفت المخاطر؟! وأنكم تسيرون نحو الهاوية وتضييع المكتسبات وتكرار التجارب الفاشلة ، فأطلقت المبادرة التي كانت طوق النجاة لكم بل وللثورة كلها، وخروجا حكيما من المشهد الأليم ساعتها! فكان التخوين والرمي بالنفاق بل والتكفير وغير ذلك مما يعف اللسان عن ذكره ويترفع القلم عن كتابته، ثم أثبتت الأحداث أنها كانت قراءة صحيحة للواقع وليس أدل على ذلك من أن الدكتور مرسى قد أخذ بها عشية عزله ولكن بالطبع كان قد فات أوانها.
- ألم تكن الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة فى 30 يونيو قراءة صحيحة للواقع ومراعاةً للمتغيرات فى المشهد واستكشافًا للمخاطر المحدقة من بعيد؟! ولو استجبتم لها لحافظتم على جل المكتسبات ولأبقيتم على كيانكم وحزبكم وما أريقت قطرة دم واحدة، ولسلمت الحركة الإسلامية كلها مما أصابها، بل والبلاد جميعها؛ ولكن للأسف قابلتموها بمزيد من التعنت والرشق بالتهم والتشنيع والطعن فى النيات؛ وبالطبع كان هذا قبل أن تصبح هذه الدعوة مطلبًا لكم ولكن أضحى منالها بعيدًا، وذلك حينما طالب البعض منكم أن يخرج مرسى ولو لساعة ليعلن انتخابات رئاسية مبكرة أو استفتاء أو نحو ذلك، ولكن كان هذا أيضا بعد فوات الأوان!
 
- ألم تكن دعوتكم للحل السلمي وأنتم فى رابعة والاستجابة للمبادرات التي طرحت اجتنابًا للصدام ومراعاةً لموازين القوى على الأرض، وكفَّا عن خطاب التكفير والكراهية- ألم تكن هذه الدعوة قراءة صحيحة للواقع التي لو استجبتم لها لما أريقت الدماء، ولجنب الناس الويلات، وما رأينا هذه المآسي والفواجع؟! ولكنكم رفضتم وأبيتم إلا السير فى الطريق المسدود، والإصرار على المراهنات الخاسرة، والتصميم على عدم الإفاقة من الغيبوبة!
 
- ألم يكن نصح رجل رشيد بينكم كالدكتور راغب السرجانى قراءة صحيحة للواقع وإدراكًا للمخاطر، وفهما سديدا لدُروس التاريخ والسيرة؟! فكان حظه الطعن والشتم والتشويه!
 
- ألم تكن الدعوات التي وجهت لكم بعد مأساة رابعة بأن كفوا عند هذا الحد، وأدركوا الواقع، وكفاكم ما حدث؛ فأبيتم إلا الدفع بالشباب والفتيات فى مهاوى الردى وموارد الهلكة؛ باستغلال عواطفهم وإلهاب مشاعرهم بشعارات وكلام أنتم أول من يعلم أنه لا طائل تحته كل هذا ليكونوا وقودا لمعركة خاسرة وغير متكافئة، ويعلم كل عاقل نتائجها سلفا بزعم المطالبة بدم الشهداء، فكانت النتيجة مزيدًا من القتل والتشريد والخراب؟!
 
- ألم يكن صنيع إخوان تونس حينما اعتبروا بحالكم فى مصر، وخافوا من ملاقاة نفس مصيركم؛ فسارعوا فى الحل، بل وتنفيذ ما دعتكم إليه مبادرة النور فأفلتوا من المصير الذي لقيتموه بعد أن كانوا على وشك الوصول إليه مما أكد بما لا يدع  مجالا للشك أن مبادرة الدعوة السلفية والنور كانت نصحًا صادقًا لكم وحرصًا على العمل الإسلامي كله - بل والبلاد والعباد- مما آلت إليه الأمور؟!
 
- ألم يكن هذا درسًا لكم كي تُعجلوا بالحل، وتقوموا بمراجعة سيركم وتعترفوا بأخطائكم في شجاعة الفرسان؛ فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمادي فى الباطل رذيلة؟!
 جميلٌ بكم بل واجب عليكم أن تراعوا الواقع وتلاحظوا المتغيرات فى المشهد فتحرصوا على قطر التي استضافتكم وأحسنت ضيافتكم كما تقولون؛ فتتخذون القرار الصعب كما تقولون، أو تقابلونه بصدر واسع؛ حتى لا تحملوا هذا البلد أمرًا فوق طاقته، أو تجلبوا عليه خطرا لا يحتمله؛ أقول: ألم تكن مصر أولى بذلك إذ هى البلدة التي نشأتم فيها وترعرعتم بين ربوعها؟! فلا شك أنها كانت أولى باتخاذ  القرار الصعب حرصًا على مصالحها العليا، لاسيما وأنتم تعلمون أن هذا البلد قلب الأمة، والتي لو سقط لوقع المخطط بكامله، والذي تتحدثون عنه الآن بعدما كنتم تنكرونه.
 
ثم لفت نظري أيضا حديث "زوبع" عن المخاطر التي يتعرض له الإسلام السني فى المنطقة وعما يلاقيه أهل السنة فى العراق من الشيعة وغيرهم من أهوال.
أقول: سبحان الملك أين كان هذا الكلام حينما تعانقتم مع إيران ففتحتم أبواب البلاد للشيعة، ورضيتم بالحل الإيراني الروسي فى سوريا، وجلس هشام قنديل مع المالكي بل مع عمار الحكيم قاتل مئات الألوف من أهل السنة فى العراق ومغتصب عشرات الألوف من نسائهم؟! ولما حذرناكم من خطر الشيعة على المنطقة وأنكم بذلك ستكونون أداة فى أيديهم فى تحقيق حلمهم بإقامة إمبراطورية فارس وتقسيم المنطقة مع إسرائيل؛ شننتم علينا الغارة أنتم ومن لبس ثوب السلفية زورًا ورميتمونا بأفظع التهم!
 
ـ آلآن أدركتم الخطر وحانت القراءة الصحيحة للواقع وأصبح السياسي المحنك هو الذي يراعى موازين القوى على الأرض كما يقول الغنوشى، ومراجعة الأخطاء أمر واجب كما يقول عبد الفتاح مورو، والمصالحة هي الحل كما ترتفع الأصوات من داخلكم، والسيسى كان رافضًا للفض بالقوة كما قال "دراج" على فضائية الجزيرة؟!
 
- أليس من الإنصاف أيضا أن تعترفوا وكل من دار في فلككمبأن الدعوة السلفية وحزب النور كانا سباقين في قراءة الواقع ومراعاة المتغيرات ورؤية المخاطر من بعيد كما أثبت الواقع ذلك، وحسم سير الأحداث الخلاف بعيدا عن المكابرة والعناد والجور، أم أنكم ستواصلون الظلم والبغي والكيل بمكيالين؟!
 
ولكن أقول لكم: اعلموا أن من أراد أن يخفى النور بقبضة يده انبثق النور من بين أصابعه وعاد هو بظلمة اليد، وأن الحقائق مهما حاول البعض إخفاءها وتشويه صورتها لابد أن تتجلى للناس يومًا بذلك جرت سنن الله وعدله فى خلقه ...
 
بصرنا الله جميعًا بالحق، ووفقنا لاتباعه، وهدانا لأرشد أمرنا، وحفظ أهل الإسلام من كل سوء، ووقى البلاد والعباد من كل كيد، إنه ولى ذلك والقادر عليه!