الوقاية من الذنوب والمعاصي والثبات عند البلاء والشدائد

  • 151

( إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) 
 
القيام بالطاعة والصبر عن المعصية والبعد عنها ينشأ من أسباب عديدة:
 
السبب الأول:
 
علم العبد قبح المعصية، ورذالتها، ودناءتها، وأن الله إنما حرمها ونهى عنها صيانة وحماية لك عن الدنايا والرذائل .... كما يحمى الوالد الشفيق ولده عما يضره. وهذا سبب يحمل العاقل على تركها ولم لم يعلق عليها وعيد العقاب.
 
السبب الثاني:
 
الحياء من الله تعالى فعلم العبد بنظر الله إليه ومقامه عليه يعينه على ترك المعصية ويستحى من ربه إن يتعرض لمساخطه ومعاصيه.
 
السبب الثالث:
 
مراعاة نعمة عليك وإحسانه إليك فإن الذنوب تزيل النعم ولابد. فالمعاصي نار النعم تأكلها كما تأكل النار الحطب عياذا بالله من زوال نعمته وتحول عافيته.
 
السبب الرابع:
 
خوف الله وخشية عقابه ويثبت بالتصديق بالوعد والوعيد والإيمان بالله وكتبه ورسله. ويزداد بالعلم واليقين ويضعف بضعفهما قال بعض السلف: كفى بخشية الله علما. وبالاغترار به جهلا.
 
السبب الخامس:
 
محبة الله وهى من أقوى الأسباب على الصبر عن مخالفته ومعاصيه فإن المحب لمن يحب مطيع وكلما قوى سلطان الإيمان تزداد محبة الله في قلب العبد وكان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى وإنما تصدر المعصية والمخالفة عن ضعف المحبة وسلطانها.
 
السبب السادس:
 
شرف النفس وزكاؤها وفضلها وأنفتها وحميتها أن تعرف الأسباب التي تحطها وتخفض منزلتها وتحقرها وتسوى بينها وبين السافلة فتتركها حماية لها من الوقوع في المعاصي. (قد أفلح من زكاها) (سورة الشمس)
 
السبب السابع:
 
قوة العلم بسوء عاقبة المعصية وقبح أثرها والضرر الناتج عنها ومن ذلك:
 
سواد الوجه وظلمة القلب وضيقه وهمه وحزنه وتمزق شمله والقسوة والحيرة في أمره وتوارى العلم ونسيانه ومرضه الذي ربما يفضى إلى موته.
 
السبب الثامن:
 
قصر السفر، وعلمه بسرعة انتقاله، فليس للعبد أنفع من قصر الأمل، ولا أضر من التسويف وطول الأمل.
 
 السبب التاسع:
 
مجانبة الفضول في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس فقوة الداعي إلى المعصية تنشأ من هذه الفضلات وما تتطلبه من مصرف لها يضيق عليها المباح فتتعداه إلى الحرام.
 
ومن أعظم الأشياء ضرراً على العبد بطالته، وفراغه بل نفسك إن لم تشغلها بما ينفعها شغلتك بما يضرك ولابد.
 
السبب العاشر:
 
وهو الجامع لهذه الأسباب كلها: ثبات شجرة الإيمان في القلب فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه. فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتم ومن باشر قلبه الإيمان بقيام الله عليه ورؤيته له وتحريمه لما حرم عليه وبغضه له ومقته لفاعله، وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار امتنع عن المعصية فإذا قوى سراج الإيمان في القلب وأضاءت جهاته كلها به وأشرق نوره في القلب وأضاءت جهاته كلها به وأشرق نوره في أرجائه سرى ذلك النور إلى الأعضاء وانبعث إليها فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان وانقادت له طلائعه مذللة غير متثاقلة ولا كارهه. بل تفرح بدعوته حين يدعوها.
 
فهو في كل وقت يترقب داعيه ويتأهب للقيام بموجبه. ومحك هذا الحال يظهر في مواطن أربع:
 
إحداها:
 
عند أخذ مضجعه وتفرغ حواسه وجوارحه من الشواغل واجتماع قلبه على ما يحبه فأنه ينام إلا على ذكر من يحبه وشغل قلبه به.
 
وثانيها:
 
عند انتباهه من النوم فأول شئ إلى قلبه ذكر محبوبة.
 
ثالثها:
 
عند دخوله في الصلاة فلا يزن العبد إيمانه ومحبته لله بمثل ميزان الصلاة فأنها الميزان العادل الذي به يزن العبد نفسه فبقدر خشوعه وقره عينة بالصلاة يعرف حال إيمانه وتقواه.
 
رابعها:
 
عند الشدائد والأهوال وتغير الأقدار والأحوال فالعبد لا ينال الدنيا إلا بتعب وألم ومشقة فالغيث لابد معه من رعد وبرق ووحل وبرد ولا بد من نيل الأماني سهر الليالي ومكابدة الأهوال كذلك أهل الإيمان لابد لهم من اختبار وامتحان ليظهر صدقهم ويفوزوا الجنة على حق وحتى يثبت أهل الإيمان عند الاختبار يجتازوا العقبة والمحنه بمنح وعطايا من الرحمن لابد لهم إن يعلموا ويتعرفوا على.
 
الأسباب المعينة لهم على الصبر على البلاء:
 
1- شهود الجزاء والثواب المترتب على البلاء.
 
2- شهود تكفير البلاء للسيئات ومحوه لها.
 
3- شهود القدر السباق الجاري به.
 
4- شهود حق الله عليك في تلك البلوى من الصبر والرضا.
 
5- شهود وقوع البلاء عليه بذنب ( ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة) ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق من كلام ابن عباس بأسانيد واهية وابن القيم في الداء والدواء عن على.
 
6- العلم بارتضاء الله له واختياره وقسمه له والعبودية تقتضى رضاه بما يرضى به ربه فإن لم فلينزل إلى مقام الصبر وإن لم نزل إلى مقام الظلم ولتسخط ورد الحق.
 
7- اليقين بان تلك المصيبة دواء نافع ساقه الله إليه العليم بمصلحته فليصبر على تجرعه.
 
8- أن يعلم عاقبة هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة والتي لا تحدث إلا بذلك القدر الذي في طياته الرحمة والعافية.
 
9- العلم بأن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه ويتبين حينئذ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أولياء الله وحزبه أم لا؟  
 
10- العلم بأن الله يربى عبده على السراء والضراء والنعمة والبلاء فيستخرج عبوديته في جميع الأحوال فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء فإن قويت أثمرت الرضا والشكر فنسأل الله إن يسترنا بعافيته ولا يفضحنا بابتلائه بمنه وكرمه.
 
فإن اجتاز العبد الاختبار وعاين مذاق العبودية وعاش عمره يستشعر طعم الطاعة للملك البر الرحيم يدرك أنه ليس له من الأمر شئ بل هو مملوك غير آبق لسيده لإدراكه شؤم المعصية والمخالفة راضيا بأقدار مولاه وخالفه ليقينه أنه لا يريد له إلا الخير وإن كان صعب المنال وشاقا على النفس والهوى ناظراً إلى موعود الله بجنة عرضها السموات والأرض فيبذل كل شئ لنيل ذلك الموعود على مر الأيام والليالي ويهون عليه بذل كل غالٍ ونفيس لنيل ذلك المراد.
 
- فهيا – أخا الإسلام – قم وإلى الله عجل... وإلى موعود الله استبق وانظر و تقدم (وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكا كبيراً) (الإنسان 20)
 
- والجزاء من جنس العمل (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة عين جزاء بما كانوا يعملون) (السجدة 17)
 
- أخفى الله جزاءهم لأنهم أخفوا أعمالهم (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون) (السجدة 16)
 
- والجزاء في الجنان قرة عين لهم لأن أعمالهم وطاعاتهم لربهم كانت قرة عين لهم في الدنيا أيضا.
 
- وكما أن النفس أخفت كثيرا من العصيان والله يعلمه فلنجتهد في كثير من الطاعات والله يحفظها.  (إن الحسنات يذهب السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (اتقى الله حيثما كنت واتبع السيئة          الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن)
 
فنسأل الله عزل وجل أن يحفظنا بطاعته وأن يثبتنا على الحق وأن يعيينا على ذكره وشكره وحسن عبادته