عاجل

مصر والسعودية... قراءة في دلالات القمة الثانية

  • 155

ليست مصادفة أن تُعقد خلال أقل من شهرين قمتين مصرية سعودية: الأولى فى العشرين من يونيو، والثانية فى العاشر من أغسطس، الأولى عُقدت فى مصر على متن الطائرة الملكية السعودية أثناء عودة العاهل السعودى من رحلته الاستشفائية من المملكة المغربية، والثانية عُقدت فى المملكة العربية السعودية كأول زيارة خارجية يقوم بها عبد الفتاح السيسى منذ انتخابه رئيسا للبلاد.

وإذا كان صحيحا أن القمة الأولى غلب عليها الطابع البروتوكولى رغم ما حملته من دلالات أخرى تعلق بعضها بتوقيت الزيارة للتهنئة بفوزه فى الانتخابات وتمهيدًا لزيارته المرتقبة إلى المملكة، إضافة إلى مناقشتها لبعض القضايا الثنائية والاقليمية، إلا أنه من الصحيح كذلك أن القمة الثانية كانت أكثر أهمية فيما حملته من دلالات عدة ومضامين متعددة، يمكن تسجيلها فى ثلاثة ملاحظات على النحو التالى:

أولا: لم تكن زيارة الرئيس المصرى إلى المملكة العربية السعودية فجأة، بل كانت من أولى الموضوعات المدرجة على جدول زياراته الخارجية كما صرح بذلك خلال حملته الانتخابية؛ وهو ما يعكس أمرين مهمين:

الأول: أن الرئيس يملك رؤية محددة ونظرة مستقبلية تعكس قراءته لما ينوى القيام به، فإدراكا منه لما قامت به المملكة العربية السعودية قيادة وشعبا فى مساندة خيار الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو وما بعدها، يستوجب أن يكون هناك تقدير من جانبه لهذا الموقف التاريخى، فحملت الزيارة فى إحدى دلالاتها الشكر والثناء والتقدير للقيادة السعودية على موقفها الداعم سياسيا واقتصاديا لمصر فى محنتها الأخيرة.

 أما الأمر الثانى: فالزيارة تعكس إدراك القيادة السياسية الجديدة لمكانة ووزن المملكة العربية السعودية، ليس فقط على المستوى الإقليمى وإنما على المستوى الدولى، فالدور السعودى فى تصحيح المواقف الدولية تجاه ما جرى فى مصر دورا لا يمكن إغفاله، بل لعل الجميع يتذكر الخطاب الذى ألقاه العاهل السعودى الذى اعتبر فيه أمن مصر خطا أحمر ورفض المساس به؛ ولذا حملت هذه الزيارة فى مضمونها دلالة أخرى تعكس أهمية التنسيق والتعاون مع المملكة العربية السعودية فى شأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصة مواجهة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية.

ثانيا: ينظر البعض إلى الموقف السعودى من الأحداث الأخيرة فى مصر وكأنه موقف مستحدث يرتبط بالمصالح الراهنة للمملكة العربية السعودية، وهذه النظرة مغلوطة جملة وتفصيلا، فصحيح أن العلاقات الدولية مبنية على مبدأ المصالح، فإنه من الصحيح أيضا أن هذا المبدأ لا يعنى مصالح طرف دون الآخر، فلم يعد مقبولا فى العلاقات الدولية تطبيق النظرية الصفرية، وإنما أصبح الواقع يؤكد أن المبدأ الحاكم فى العلاقات الدولية هو مبدأ المصالح المتبادلة، وليست مصالح طرف على آخر بصورة مطلقة، ولعل من يسترجع التاريخ وأحداثه يدرك عمق العلاقات المصرية السعودية، فما زالت صفحات التاريخ تسجل بأحرف من نور كلمات الملك عبد العزيز آل سعود المؤسس الأول للمملكة حينما أدرك دور مصر ومكانتها فكانت كلمته: "لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب"، وكان ذلك فى أوائل القرن العشرين، بل يسجل التاريخ أيضا أن الدولتين وقعتا أول معاهدة للصداقة بينهما فى عشرينات القرن المنصرم، وأول اتفاقية للتعاون العسكرى فى ثلاثينات القرن ذاته. كل هذا يدلل على مدى الترابط والارتباط بين الدولتين، بل قد لا يذكر كثيرون الموقف السعودى من بناء السد العالى حينما سحبت الولايات المتحدة الأمريكية عرضها بالمساعدة فى بنائه، فكانت المساعدة السعودية عاملا داعما لمصر حيث قدمت السعودية (100 مليون دولار)، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل كان للمملكة موقفا مشرفا أثناء العداون الثلاثى على مصر عام 1956 حيث ساندت الموقف المصرى فى جميع المحافل الدولية والإقليمية، وكان موقفها من العدوان الإسرائيلى على الدول العربية الثلاث (مصر وسوريا والأردن) عام 1967 من المواقف المشهودة التى تُوجت بدورها الفاعل فى انتصارات أكتوبر 1973. وما تم ذكره مجرد غيض من فيض الارتباط المصرى السعودى، فإذا كانت مصر تعتبر أن أمن الخليج جزءا من أمنها القومى وأن السعودية هى بوابتها إلى الخليج العربى، فإن السعودية تدرك تمام الإدراك أن حماية أمن الخليج وضمان استقراره لن يتحقق إلا فى وجود مصر دولة قوية قادرة على ضبط ايقاعات الحركة فى الإطار الإقليمى.

ثالثا: أن الارتباط المصرى السعودى والذى أكدته زيارة الرئيس السيسى إلى المملكة فى أولى جولاته الخارجية، يتضمن أبعادا عديدة ومتعددة بعضها سياسى وكثير منها اقتصادى، إضافة إلى جوانب أخرى ثقافية واجتماعية. ولكن يظل البعد الأهم وربما الأكثر أهمية فى هذا المضمار البعد السياسى/ الدينى، المتمثل فى ضمان أمن واستقرار المنطقة، والحفاظ على كيانات الدول الوطنية الذى يتعرض للتهديد فى ظل المخططات الدولية والإقليمية الرامية إلى اعادة رسم حدود المنطقة بما يتفق ومصالحها، فسياسة التقسيم والتفتيت التى تحاول بعض الأطراف الدولية والإقليمية تطبيقها من أجل خلق دويلات دينية أو مذهبية أو عرقية أو طائفية تفرض على الأطراف الإقليمية الفاعلة (مصر والسعودية تحديدا) أن تتحمل مسئوليتها الكاملة فى الذود عن أمن دولها واستقلالها ووحدة أراضيها. كما تمثل القضية القلب من القضايا العربية، وهى القضية الفلسطينية محورا مهما من اهتمام الطرفين نظرًا لخطورتها على الأمن القومى العربى بصفة عامة والمصرى على وجه الخصوص، ولعل ما يجرى اليوم فى الأراضى الفلسطينية يحتاج إلى دعم عربى للجهود المصرية المضنية الساعية إلى وقف العدوان الإسرائيلى الغاشم على الشعب الفلسطينى.

خلاصة القول:

 إن القمة المصرية السعودية الثانية منذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى تمثل بداية حقيقية للتعاون والتنسيق المشترك تمهيدا للوصول إلى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، سواء فيما يتعلق بعلاقات البلدين الثنائية والدور السعودى الداعم لمصر فى تلك المرحلة المهمة التى تمر بها ، خاصة فى ظل الدعوة السعودية لعقد مؤتمر أصدقاء مصر المزمع عقده فى أواخر هذا العام، أو فيما يتعلق بموقف الطرفين من مختلف قضايا المنطقة التى تعيش فوق بركان على وشك الانفجار فى وجه الجميع.