هل من فقر وتوبة وعودة إلى الله عز وجل؟

  • 161

(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)  سورة البقرة

لحظة من فضلك:

من أنت؟ .......... وماذا تريد؟

وما هى أمنياتك وأمالك؟ ...... كم مضى من عمرك؟ ............ و يا ترى كم بقى؟

أسئلة كثيرة لابد لها من جواب ....... تتفاوت الأجوبة وتختلف الردود ولكن الحقائق لا تتغير وأدلة الشرع تحسم الخلاف وتظهر الخفى من نفسك ومما لا تعلمه أنت عن حالك فأنت العبد الضعيف العاجز (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذى خلقك فسواك فعدلك فى أى صورة ما شاء ركبك) الانفطار (6 -8)

مخلوق سواه الله وعدله وأحسن صورته وركبه ... أنت أنت ذلك المخلوق بعد الضعف ... أنت العاجز الفقير (ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله هو الغنى الحميد أن يشاء يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) فاطر ( 15 – 17)

روى الإمام أحمد فى مسنده وصححه الألبانى فى الصحيحه برقم 1143 من حديث بشر جحاش القرشى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بصق يوما فى كفه فوضع عليها إصبعه ثم قال: قال الله تعالى يا ابن أدم أنى تعجزنى وقد خلقتك من مثل هذه؟ حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وميد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقى قلت أتصدق؟! وأنى أوان الصدقة)

فالعقال من علم هذا من نفسه ولم ينس فقره وحاجته وضرورته إلى ربه ذلك ليبدأ فى تصحيح أموره واستدراك ما فات من سالف أيامه.

والجاهل المخذول من حجب عن حقيقة نفسه وعاش عبداً لهواه وشهوته (كلاً إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) (العلق 6 – 7)

ولهذا كان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم ( ياحى يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لى شأنى كله ولا تكلنى إلى نفسى طرفه عين أبدا) رواه الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب ص 661 قال واسناده حسن عن أنس وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( لا تطرونى كما أطرت النصارى المسيح بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخارى 9/363 وكان يقول: (يا أيها الناس ما أحب إن ترفعونى فوق منزلتى إنما أنا عبد) رواه أحمد والنسائى بسند جيد.

لذلك ...: فالعبودية أعظم وصف يوصف به مخلوق.

والعباد كلهم فقراء إلى ربهم من جهة أنه الرب الخالق المتصرف فى الكون وأنت أيها العبد من زمرة أولئك العبا فقير فقرا اضطراريا إلى ربك فكن فقيرا باختيارك وارادتك لتجمع نوعى الفقير وتسعد فى حياتك.

فالفقر النافع: هو النوع الثانى الذى تأتيه طوعاً وهو فقر العباد إلى معبودهم وربهم محبة ورجاء وعبادة فجيب أن تكون من أولئك العقلاء يرى الواحد فيهم أن نفسه مملوكه لله لا يرى نفسه مالكا بوجه من الوجوه فالله يحفظه فى يقظته ومنامه لا يملك من نفسه شيئا يرى أعماله وابجة عليه ومستحقة بموجب أنه عبد لله وحده هو المالك الحق وكل ما بيد خلقه هو من أمواله وأملاكه وخزائنه أفاضها عليهم ليمتحنهم فى البذل والإمساك وليكون ذلك شاهدا عليهم فى عبوديتهم لله عز وجل فيبذل أحدهم الشئ رغبة فى ثواب الله ورهبة من عقابه وتقربا إليه وطلبا لمرضاته ولا يكون بذلك أحدهم صادرا عن مراد النفس وغلبة الهوى وموجب الطبع فيعطى لهواه ويمنع لهواه فينقلب الحال فيكون متصرفا تصرف المالك لا المملوك فيكون مصدر تصرفه الهوى ومراد النفس وغيايته الرغبة عند الخلق من جاه أو رفعه أو منزلة أو مدح أو حظ من حظوظ الدنيا أو الرهبة من فوات شئ من هذه الأشياء. وحينذاك يرى العبد نفسه – لا محاله – مالكا ويخرج من حد العبودية وينسى فقره.

ولو عرفت – يا عاقل – نفسك حق المعرفة لعلمت أنك مملوك ممتحن فى صورة مالك متصرف قال تعالى: ( ثم جعلناكم خلائف فى الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) (يونس 14)

أثر نسيان العبد حقيقة نفسه:

من ادعى لنفسه حالا وقدرا يعلو على كونه مملوك ضعيفا فلابد أن يوكله الله إلى نفسه. ومن وكل إلى شئ غير الله فتح عليه باب الهلاك والعطب والمصائب والهموم والأحزان والآفات تأتيه من كل ج انب حتى ولو كانت الدنيا كلها بيده. ويغلق عليه باب السعادة والاستقرار والطمأنينة.

فإن كل شئ ما سوى الله باطل. ومن وكل إلى باطل بطل عمله وسعيه ولم يحصل له إلا الحرمان فمن تعلق بشئ غير الله عذب به ولابد وقطعه عن الله وكان ذلك له غاية الخسران والبوار (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار) (البقرة 167)
فالعاقل من عرف نفسه وعرف ربه وعرف الطريق النبوى الذى يوصله إلى الله وعاين ما عند الله من جزيل ثواب المؤمنين وعرف ما عند الله من شديد العاصين واجتهد فى معرفه من سبقت لهم الحسنى من السابقين ممن أمنوا ولقوا ربهم على الإيمان، وتعرف على سيرهم لتعلو همته ويشمر عن ساق الجد للحاق بهم.

ويعرف سير المعاندين السابقين ممن غضب الله عليهم وفى النار هم خالدون ولقوا ربهم على العناد والمكابرة ليحذر ويخاف حذوهم فهو يسير بجناحين:

الوعد: فيرجو ويجتهد ويتقدم ليفوز

والوعيد: فيحذر ويعالج ويفتش عن العيوب لينجو

الولادة الحقيقة:

العبد ضعيف عاجز أسير نفسه إلا أن ينجو برحمة الله وفضله. ما زال فى مشيمة النفس فى ظلمات ثلاث ظلمة الطبع وظلمة الهوى وظلمة النفس..... لابد من ولادة حقيقة وخروج إلى الحياة الحقيقة (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به فى النفس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها) الأنعام (122)

أنت وقلبك أحد ثلاث:

* قلب لم يولد ولم يأن له بعد بل هو جنين فى بطن الشهوات والغى والجهل والضلال.

* وقلب قد خرج إلى فضاء التوحيد وتخلص من مشيمة الطباع ظلمات النفس والهوى فقرت عينه بالله وقررت عيون وقلوب به وأنست بقربه الأرواح وذكرت رؤيته بالله فاطمأن بالله وسكن إليه وعكف عليه وسافرت همته وعزائمه إلى الرفيق الأعلى ... لا يقر بشئ غير الله ولا يسكن إلى شئ سواه، ولا يطمأن بغيره أبدا لا يجد فى كل شئ سوى الله عوضا محبته لله قوته، فذكر الله حياة قلبه ورضاه وغاية مطلهب ومحبته وقوته ومعرفته وأنسه .... عدوه من جذب قلبه عن الله وإن كان قريب المصافيا ووليه من رده إلى الله وإن كان البعيد المناويا.

* وقلب ثالث فى البرزخ ينتظر ا لولادة صباح مساء ... يأنس من خلال الديار أشعة التوحيد.... وتأبى غلبات الحب الطباع والأهواء إلا جذبه وإيقافه وتعويقه .... فهو بين الداعيين: تارة إلى هذا وتارة إلى ذاك. 

مفاصلة:
لابد من إجلاء الحقائق ووضوح الرؤية ومعرفة ما أنت عليه.

(إن الإبرار لفى نعيم) الانفطار (13) نعيم فى دنياهم، ونعيم فى قبورهم، ونعيم فى أخراهم.

(وإن الفجار لفى جحيم) الانفطار (14) فى دنياهم وتعب وضنك وجحيم فى قبورهم فى حفرة من حفر النار، وحجيم فى اخراهم عذاب شديد وبئس المصير.

ولا ينبت ابدا من الشوك العنب ... ولا ينزل الله أبدا الابرارا منازل الفجار .... ولابد من أت تسلك طريق الابرار لتصل إلى منازلهم.

مصارحه:

كم قدر الله فى قلبك إذا أردت إن تعرف قدرك عند الله فانظر إلى قدر عندك. فإن الله ينزل العبد ما أنزل العبد ربه من نفسه والجزاء من جنس العمل هيا لب نداء الرحمن (قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا أنه هو الغفور الرحيم) الزمر (53)

لابد من توبة نصوح: تسيطر بها على جنات القلب وأغوار النفس، وتستولى على كل أمالك وتزلزل كيان المعصية والشهوة فى بدنك وتحيط بكل أعمالك وحركاتك، وتبيد الظلام الحالك الذى أحاط بجزيئاتك..... توبه وصرخة من أعماق قلبك (يارب سلم) ... صيحة من نفس أشربت المعصية، وألفت المخالفة، وهوت فى فج عميق. (ظلمت نقسهم فتب على ربى)

حسرة:

على ماض مرد دون طاعة: اللهم أجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها.

بداية: محرقة تؤدى إلى نهاية مشرقة.

فرحة وسعادة: تغمرها دموع وعبرات من القلوب قبل العيون .... أترضى عنى خالق؟ ... أترضى عنى رازقى؟ .... أترضى عنى يا من سترتنى؟ ...... وبقدر الندم والألم تكون الفرحة والسعادة، ويزداد نور الإيمان ويظهر أثر التوبة وقبولها بالإقبال على الله.

البداية: وضوء وطهارة وشكاية ودعاء .... والحديث ( ما من عبد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه إلا غفر له ما تقدم من ذنبه) مسلم 234

وهكذا: فالبوضوء والإسباغ فيه تتفتح أبواب الجنة الثمانية، ويدخل العبد من أيها شاء.

فحى على جنات عدن فأنها ******** منازلك الأولى وفيها المخيم