إيمانًا واحتسابًا مشروع إصلاحي

  • 193

ملخص معادلة الصحابة فى التعامل مع رمضان أن الرمضانية كانت محطة والربانية كانت هى الهدف..

وشتان بين من يتعامل مع رمضان على أساس أنه هدف فى حد ذاته فيتحول إلى جزيرة مستقلة يرحل إليها العبد لمدة أيام معدودة ثم يعود إلى حياته وربما إلى ذنوبه وإلى اهتماماته أقوى وأعتى مما كان عليه سابقا ولا حول ولا قوة إلا بالله..

فالربانية كانت هى الهدف الرئيس من رمضان، لذا كانت كل لحظة فى حياة الصحابة موسمًا يُغتنم ويُرجى ويُجتهم فيه، مع بشريتهم وتقصيرهم وذنوبهم وتوبتهم، فلم يكونوا ملائكة ولم يكونوا رمضانيين، ولكن كانوا ربانين ، قال تعالى : (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُون ))..

فكانت مفاهيم رمضان تُساهم فى صناعة العبد الربانى وبصورة جماعية ومُكثفة فى رمضان مدعومة بفتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران وتصفيد الشياطين،، مدعومة بالعتق اليومى من النيران وبالدعاء اليومى المستجاب،، مدعومة بصلاة الله وملائكته على المتسحرين،، مدعومة بقيام الليل وقراءة القرآن والإنفاق،، مدعومة بالاعتكاف وليلة القدر التى هى خير من ألف شهر،، فمصنع الربانية لا يُغلق فى رمضان وإنما رمضان أحد أهم فروعه وأقسامه التى يتعرض فيها العبد لنفحات الله..

ولعلنا فى هذه الورقات نوضح مفهوما واحدا يستمر بعد رمضان ويضبط الأداء وتُحسَّن به العبادات، ويُرضى العبد به ربه..

فالمتأمل فى ثلاثية النجاة والمغفرة الرمضانية وهى:

قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).

قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).

قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).

يجد التكرار الواضح الجلى لكلمة إيمانا واحتسابا ولأهل العلم الأكارم _رحمهم الله_ كلاما واضحا فى إيمانا واحتسابا.

يقول ابن حجر "رحمه الله" فى فتح البارى: إيمانا: الاعتقاد بحق فرضية صومه (أى رمضان).

واحتسابا: طلبا للثواب من الله.

ويقول النووى "رحمه الله": إيمانا: تصديقا بأنه حق مقتصد فضيلته.

واحتسابا: أنه يريد الله تعالى، لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص.

ويقول ابن الجوزى فى كشف مُشكل الحديث: إيمانا: تصديقا بالمعبود الآمر له، وعلما بفضيلة القيام ووجوب الصيام.

واحتسابا: وخوفا من عقاب تركه، ومحتسبا جزيل أجره.

وملخص ما ذُكر فى كلمتين:

إيمانا بالله الآمر.واحتسابا للأجر فى قلب العامل.

فأنت تؤمن بأن الله فرض علينا الصيام، فأنت تصوم على سنة نبيه "صلى الله عليه وسلم" ولكن يبقى أمر آخر وهو: هل تحتسب؟ هل العمل لله أم لغير الله؟ هل احتسبت العمل وأشركت فيه غير الله أم كان خالصا لله؟

إذا إيمانا تُولِّد الهمة،، واحتسابا تُولِّد الخشوع..

وهذا هو مُلخص الأداء الرمضانى..

فأنت تتحمس وتتولد عندك الهمة إذا آمنت، والإيمان لا يُولِّد الهمة واقعا إلا إذا كان الطائر مُكتملا،، محبة وخوفا ورجاء، وهذا يُولِّد الحماس والهمة، والاحتساب يجمع الهم ويوحد الوجهة ويُركز الجهود، فإذا كان عملك لواحد فهذا أدعى للتركيز الخشوع،،

ولنضرب مثالا بالصلاة إيمانا واحتسابا..

فإذا آمنت بفرضية الصلاة تحمست لها وتولدت عندك الهمة التى تُحركك، ثم إذا وحدت وجهتك لله الواحد الأحد ستصل إلى الخشوع والتركيز، فبذور شجرة الهمة هى الإيمان، لذا ما شحذت همم المؤمنين بمثل يا أيها الذين آمنوا فى القرآن، وكأن كل نداء يُشعل جذوة الهمة فى قلوب أهل الإيمان..

وبذور شجرة الخشوع والتركيز هو الاحتساب، فمن كان واحدا لواحد على طريق واحد سهل عليه الخشوع والتركيز..

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا )..

فالإخلاص والاحتساب الكامل لله هو بذرة الخشوع..

وتأمل حين تنتقل إيمانا واحتسابا من محراب الصلاة إلى محراب الحياة، ومن الشعور إلى الشروع إلى المشروع، ومن التدبر إلى التدبير،،

فتنتقل معنا إلى كل حركاتنا وسكناتنا قدر المستطاع، ويكون شعار حياتنا إيمانا واحتسابا تكون العدسات اللاصقة التى ننظر بها إلى كل شىء،، إيمانا واحتسابا..

فتتعامل مع والديك إيمانا واحتسابا، فتعلو همتك وتخشع أركانك حين تعمل فى وظيفتك إيمانا واحتسابا فتكون لله وتُركز فيها، فبهما تغمس كل عمل فى نهر الهمة والتركيز،،

إيمانا واحتسابا..

حين تكون إيمانا واحتسابا معنا فى المحاريب والمحاريث، فى المنارات والمطارات، فى الكتائب والكتاتيب، فى العادة والعبادة...

إيمانا واحتسابا ليست فقط كلمة إنما هى مشروع إصلاحى لضبط أداء المسلم التعبدى..

وفى ظل موجة المادية التى يُعانى منها عالمنا الإسلامى وفى ظل الغفلة القلبية التى أغرقتنا تأتى إيمانا واحتسابا لتُعيد الأمور إلى نصابها فتكون إيمانا فى مواجهة المادية واحتسابا فى مواجهة الغفلة القلبية،،

ولا تعجب حين تجد سيدنا معاذ بن جبل "رضى الله عنه" حين كان يستخدم هذه المنهجية فيقول: (إنى لأحتسب نومتى كما أحتسب قومتى).

 

 

 
إيمانا واحتسابا آلية واحدة من آليات رمضان التى تُنقلنا من الرمضانية إلى الربانية بإذن الله، لتكون حياتنا إيمانا واحتسابا ومظهرا عمليا لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين )..

إيمانا واحتسابا مشروع إصلاحى..

لن نخرق السفينة،،
وسنغرس الفسيلة،،
بإذن الله..