السابعة صباحًا بين الضرورات والصعوبات

  • 170

جاءت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة في تشكيلها الجديد بأن يبدأ دولاب العمل في الجهاز الإداري من الساعة السابعة صباحا؛ لتكشف عن رؤية مستقبلية يبدأ بها الرئيس المنتخب مسيرته في إدارة الدولة.

ورغم ما تحمله الدعوة من إيجابيات عديدة ومتعددة، إلا أنها تواجه الكثير من الصعوبات والتحديات في إطار البدء في تطبيقها سواء تعلقت هذه الصعوبات بطبيعة المجتمع المصري وما تعود عليه، أو تعلقت بجدوى التطبيق، ومردوده على إنتاجية الموظف الحكومي؛ وهو ما أثار بدروه جدلا واسع النطاق بين مؤيدين -وهمكثر-ومعارضين يرون أن الأمر لن يختلف كثيرا.

وفي محاولة لحسم هذا الجدل، يجدر بنا تسجيل ثلاثة ملاحظات تهدف إلى إجلاء بعض الغموض في مواقف كل طرف، وذلك على النحو التالي:

أولا- الدعوة للتبكير إلى العمل هي من طبيعة المجتمع الإسلامي؛ حيث حثت العديد من الآيات القرآنية على الإسراع في العمل والجد، ليس فقط فيما يتعلق بالعبادات، وإنما أيضا فيما يتصل بشئون الدنيا، فقال سبحانه تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]، وقـوله تعالى:{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [الملك: 15]،وقـوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]،وكما ورد عن النبي-صلى الله عليه وسلم- عن أهمية البكور للعمل، قوله:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا". [أخرجه أبو داود: 2606، وقال الألباني: صحيح]، ويستدل من هذه الآيات والأحاديث أن البكور إلى العمل سمة من سمات المجتمع الإسلامي، الذي حقق النجاح والتقدم بإقامة دولة قوية في العهود الأولى من الدعوة، وهي السمة التي انتلقت إلى بلاد أخرى، نجحت بفضلها في تحقيق النهضة والتقدم؛ وعليه تصبح الدعوة للتبكير إلى العمل خطوة أولى في طريق النهضة التي تنشدها الدولة المصرية، وهي تقيم دعائم تقدمها؛ حفاظا على قيمة الوقت، ومساعدة على تحقيق الإنجازات المطلوبة في مدى زمني أقل بما يتناسب مع تطلعات المواطن المصري وطموحاته، التي عبرت عنها ثورتي الخامس والعشرين من يناير، والثلاثين من يونيو.

ثانيا-رغمأهمية هذه الدعوة إلا أنها تواجه جملة من الصعوبات؛ فثمة صعوبات تتعلق بطبيعة المجتمع المصري؛ وخاصة في المدن الكبرى التي يسهر أهلها لساعات طويلة ليلا أمام التلفاز أو الإنترنت، وهي الطباع التي انتقلت مؤخرا إلى المناطق الريفية والحدودية؛ بما يجعل من الصعوبة بمكان تغيير هذه الطباع بالسرعة المطلوبة؛ ولذا فقد يضطر الموظف أو العامل تحت ضغط هذا القرار، وتطبيقهأن يستيقظ مبكرا؛ ليذهب إلى العمل، ليستكمل ساعات نومه في مكتبه، معطلا في الوقت ذاته مصالح المواطنين وحاجاتهم، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى هل يترتب على الذهاب مبكرا إلى العمل انتهاء ساعات العمل مبكرا أيضا؟ فكما هو معلوم أن مواعيد المصالح، والأجهزة الحكومية، التي تعمل طوال الأسبوع مع يوم راحة تبدأ من الثامنة والنصف صباحا وحتى الثانية والنصف ظهرا، في حين أن المصالح التي تعمل خمسة أيام أسبوعيا تبدأ مواعيد عملها من الثامنة والنصف وتنتهيفي الثالثة والنصف ظهرا مع راحة يومين، فهل يعني ذهابه مبكرا خروجه أيضا من العمل ساعة مبكرا؟ فما هو العائد في هذه الحالة؟ فعدد ساعات العمل التي سيقضيها الموظف في العمل في الحالتين واحدة؟ فما هو الجديد؟ ولكن إذا ما ترتب على الذهاب مبكرا إضافة ساعة عمل أخرى لإنجاز خدمات المواطنين، فهل تتحمل الدولة وميزانيتها البدلات التي سيحصل عليها العامل نظير هذه الزيادة في ساعات العمل؟ وهل المردود من هذه الزيادة يغطي الأعباء الإضافية؟ فعلى سبيل المثال أجريت دراسة حول المردود على الدولة حينما اتخذت قرارا بجعل العطلة في بعض المصالح يومين، وجدت أن المرودو إيجابيا من حيث توفير النفقات والأعباء على الميزانية العامة للمؤسسات والأجهزة، فضلا عن تسهيل حركة المرور في الشوارع، وما لذلك من مردود من ناحية أخرى.

ما نود قوله إنه لا بد أن يتم حساب الجدوى الاقتصادية لهذا القرار في ضوء (التكلفة والعائد) قبل البدء في تطبيقه.

ثالثا-رغم الصعوبات الجمة التي تواجه تطبيق هذا القرار، إلا أن الحلول المنطقية والواقعية في ضوء التجارب الدولية والإقليمية، تقدم نماذج يمكن لصانع القرار الاستفادة منها حينما يسعى إلى تطبيق هذا القرار بصورة ناجحة، دون أن يتحجج البعض بأن طبيعة المجتمع المصري وسلوكياته يمكن أن تمثل عائقاأمام التطبيق؛ فالمواطن المصري حينما يسافر إلى الخارج سواء في الدول الأوروبية،أو دول الخليج العربي يلتزم بمواعيد العمل مبكرا منذ أن تطأ قدماه أرض هذه الدولة.

أضف إلى ذلك أن نجاح مردود هذا القرار يظل متوقفا على قدرة الإدارة العليا في كل مصلحة أو جهاز على تطبيق القواعد المنظمة دون محاباة أو مجاملات.

 كما قد يرتبط نجاح هذا القرار باتخاذ قرارات أخرى ذات صلة منها إعادة النظر في مواعيد إغلاق المحال والأسواق عند الحادية عشر مساء مع بعض الاستثناءات...إلخ.

منتهى القول، إن قرار السابعة صباحا يظل نجاحه أو فشله مرهونا على كيفية تطبيقه وآلياته، مع ضرورة توافر الإرادة السياسية والإدارية الراغبة في ذلك، مع معالجة سريعة لأية تداعيات سلبية يمكن أن تلحق ببعض فئات المجتمع؛ خاصة في المراحل الأولى لتطبيق القرار.