الإخوان والفهم المغلوط - حرمة المساجد نموذجًا

  • 177

لم تكن المرة الأولى التي يتربص بها أنصار جماعة الإخوان وتحالفها برموز حزب النور وأعضائه حتى قبل أن يصطف الحزب مع الجماعة الوطنية التى توافقت على أن الإرادة الشعبية التى تمثلت فى الثلاثين من يونيو هى محور الحركة لمختلف القوى السياسية والوطنية، فحينما اتجهت الإرادة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية السابقة (2012) بتأييد مرشح الجماعة الدكتور محمد مرسى، وكان حزب النور من الداعمين للمرشح الرئاسى آنذاك عبد المنعم أبو الفتوح، التزم حزب النور وأعضاؤه بما أفرزته الإرادة الشعبية وبدأ الحزب فى التعاون مع الرئيس المنتخب. وعلى المنوال ذاته، حينما خرجت الإرادة الشعبية على الرئيس السابق حينما انحرف بسلطته عن المسار الدستورى والقانونى المرسوم له، ما كان من حزب النور إلا أن التزم بما طالبت به الإرادة الشعبية، فوقف مساندا للإرادة الشعبية وداعما لها ومتحالفا مع القوى السياسية والوطنية كافة التى نزلت فى الثلاثين من يونيو.

أردت بهذه المقدمة السريعة أن أوضح لجماعة الإخوان وعناصرها أن موقفها من حزب النور وقياداته يقوم على الفهم الخاطئ؛ ذلك الفهم الذى يشمل نظرة الجماعة إلى كل فئات المجتمع وقواه التى رفضت نهجهم فى الحكم، وهو النهج الذى يجمع بين الاستحواذ والإقصاء حينما تكون فى الحكم، وبين العنف والإرهاب والاعتداء ليس فقط على المخالفين معها بل على المواطنين الآمنين حينما تكون خارجه، فضلا عن الاعتداء على المؤسسات العامة والخاصة إلى الحد الذى وصل فيه الاعتداء على بيوت الله فى الأرض وهى المساجد؛ وهو ما يؤكد لكل من يؤيد أو يتعاطف مع الجماعة أنها بالفعل فقدت عقلها ورشدها ولم تعد تعى نهاية النفق المظلم الذى تسير فيه. فما جرى خلال الجمعة الماضية (13 مايو) فى مسجد غافر بمنطقة العمرانية بالجيزة من قيام عدد من شباب الجماعة ومؤيدوها بالاعتداء على فضيلة الشيخ الدكتور ياسر برهامى بسبب وجوده لحضور عقد قران أحد الشباب فى المسجد، يثير تساؤلات مهمة  حول مدى الفهم الصحيح لدى جماعة الإخوان وحلفائها لأحكام الدين الإسلامى ومبادئه، فما هو حكم الدين فى الاعتداء على المسجد وزواره؟! وأين فقهاء الجماعة وعلماؤها من تكرار مثل هذه الحوادث؟!

هل يقر منهج الجماعة ونهجهم هذا العمل ويعتبره عملًا شرعيًا؟!

وحتى تجيب الجماعة وفقهاؤها على هذه الأسئلة، أود أن أضع بين أيديهم ملاحظتين مهمتين قد تساعدهم فى تصحيح فهمهم وتقوّم الاعوجاج فى فكرهم، وهما:

أولًا- إن تعظيم الله عز وجل يكون بتبجيله وإجلاله، وأيضًا بتعظيم حرماته، ومن تعظيم حرماته، تعظيم المقدسات والشعائر الدينية ومنها بيوته، ومعرفة مكانتها، والسعي في عمارتها، وإقامة شرعه فيها، والمحافظة على الصلاة فيها، والتحذير من انتهاك حرماتها، أو التعدي على إقامة ذكر الله فيها، ونشر نور الهداية من على منابرها، ومن أبرز وأهم صور هذا التعظيم أيضا هو عدم إحداث أى فوضى داخل المسجد، فعن عبد الله بن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ" (رواه مسلم 655).

وعليه، فلا يجوز رفع الأصوات داخل المسجد أو الاعتداء على أئمتها؛ فإذا كانت أحكام الشريعة تجرم الكلام في أثناء إلقاء خطبة الجمعة، بل قال العلماء إن الكلام ممنوع حتى لو كان أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر، فإن الاعتداء على المصلين وإرهابهم بأى صورة من صور الاعتداء أمر مرفوض شرعًا وقانونا.

 بل على العكس كان يجب على الجميع وفى مقدمتهم جماعة الإخوان أن يفهموا بأن الوقت الراهن الذى يموج بالفتن والتيارات الفكرية العديدة والمتنوعة، ما أحوجنا فيه إلى التعاون والتكاتف والاجتماع والألفة، ونبذ الخلاف والفرقة، ويمكن أن توظف خطبة الجمعة في المساجد لهذا الغرض، بدلا من أن تكون الخطبة خطوة تزيد من الصراعات والخلافات بين أبناء المجتمع المصرى. فهل تستوعب الجماعة وعلماؤها حكمة وجود صلاة جامعة كل أسبوع؟! وهل استوعبت أيضًا الحكمة من جعل المساجد منزهة عن أن يصرخ فيها أحد ليعترض على خطيب الجمعة؟! لأنه إذا ما تصورنا أن هذا مباح لما كانت هناك صلاة جمعة، فإذا صرخ شخص في خطيب الجمعة رد عليه شخص آخر، فلا يمكن أن تكون هناك صلاة جمعة كل أسبوع ويكون فيها اعتداء على هذا الخطيب أو ذاك، أو رفع الصوت بالإهانات والشتائم.

ثانيًا- ممارسة السياسة لا تعنى اللجوء إلى العنف والإرهاب والاعتداء والقتل والتخريب وحرق المؤسسات وحصار المساجد وترويع المصلين، بل تُرتكب كل هذه الممارسات فى حالة ما نطلق عليه "موت السياسة"، بمعنى أنه إذا غابت السياسة التى تعنى الحوار والنقاش والمشاركة الفعالة سواء فى الحكم أو المعارضة شريطة الالتزام بالقواعد المنظمة لهذه الممارسات سواء أكانت قواعد قانونية مكتوبة كما هو الحال فى الدستور والتشريعات، أو قواعد قانونية غير مكتوبة (قواعد عرفية) حظيت بالتوافق والرضا المجتمعى، فهل تعتبر جماعة الإخوان وأنصارها أن الاعتداء على المساجد من الأمور المشروعة قانونًا والمقبولة عرفا؟! هل يسمح منهج الجماعة ومنهج من يؤيدها بالاعتداء على العلماء والحط من قدرهم ومكانتهم؟!

نهاية القول:

إن جماعة الإخوان ومؤيديها وأنصارها ما زال لديهم أفهام كثيرة مغلوطة تحتاج إلى تصويت وتصحيح قبل فوات الآوان. فرغم كل ما ارتكبته هذه الجماعة فى حق المجتمع المصرى ليس فقط فى مرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو، وإنما من قبله فى كثير من القضايا التى ما زالت حاضرة فى الذاكرة الشعبية، إلا أن الدولة والمجتمع ما يزال لديهما رؤية فى وجود مساحة للعودة إلى الصف الوطنى والاصطفاف خلف ما اختارته الإرادة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2014)، شريطة أن تكون العودة لمن لم يرتكب عنفا أو إرهابا أو أسالة دماء.