الرئيس الجديد .. دقت أجراس الخطر

  • 176

لم تأت نتيجة الانتخابات الرئاسية التى جرت فى أواخر مايو الماضى بمستجدات أو بمتغيرات غير متوقعة، بل كانت النتائج محسومة مسبقًا، والفائز معروف لدى الجميع، وقد سبق فى مقالات أخرى أن أشرت إلى هذه النتائج ومن المتوقع فوزه، بل واستعرضت كذلك التحديات التى تواجه الفائز على المستويات كافة، شأنى شأن كثيريناتفقوا معى فيما ذهبت إليه. ولكن، كشفت العملية الانتخابية عن مجموعة من المؤشرات واجبة التسجيل تعكس بعض الدلائل التى ربما تكون مهمة للرئيس الجديد عبد الفتاح السيسى، أهمها ما يلى:

أولًا- شهدت العملية الانتخابية تناقضًا واضحًا بين خطاب إعلامى يشكو من ضعف حجم المشاركة وبين مؤشرات أولية تتحدث عن ملايين المشاركين، ففى الوقت الذى ظل فيه الخطاب الإعلامى يتحدث عن ضعف الإقبال وتراجعه، بما دفع اللجنة العليا للانتخابات بمد التصويت ليوم ثالث مع اعتبار اليوم الثانى إجازة رسمية مدفوعة الأجر؛ وذلك بهدف رفع نسب المشاركة، فى حين كشفت المؤشرات الأولية عن اقترب أعداد المشاركين من الـ 25 مليون ناخب؛ الأمر الذى يضعنا فى مأزق إما أن نشكك فى هذه المؤشرات وهو أمر صعب، وإما أن نكون أكثر صراحة مع الذات ونعلن عن فشل إعلامنا بجميع مؤسساته وأجهزته سواء أكان إعلامًا خاصًا أم حكوميًا. بمعنى أكثر وضوحًا "كيف يتحدث الإعلام عن ضعف المشاركة وتدنى مستوياتها فى الوقت الذى تقاربت فيه نسب التصويت مع ما جرى فى الانتخابات السابقة؟!"

يعنى ذلك أن الإعلام مارس دورا كبيرا فى خلط الأوراق وعدم نقل الصورة الحقيقية لما جرى على أرض الواقع من وجود حجم مشاركة كبير، رغم مقاطعة جماعة الإخوان وتحالفاتها، وربما ضعف مشاركة الشباب بالصورة المطلوبة، وهو ما قد يجد تفسيره فى ارتفاع حجم مشاركة الفئات الأكثر فقرًا واحتياجا سواء ممن يعيشون على أطراف المدن الكبرى أو فى الريف المصرى والصعيد، وهذه المناطق لا تشغل بال الإعلام بمختلف وسائله إلا ما ندر؛ ولذا فرغم خروجهم ومشاركتهم بنسب كبيرة أملا فى تحسين أوضاعهم واستعادة الأمن والاستقرار، إلا أن الإعلام فى خضم انشغاله بالنخبة ورجال السياسة أهمل هؤلاء حتى حينما مارسوا حقهم الدستورى فى اختيار رئيسهم، وكان لهم الدور الأول فى رفع نسب المشاركة من جانب، ومنح الغالبية العظمى من الأصوات للمشير عبد الفتاح السيسى  من جانب آخر. 

ثانيا- ارتباطًا بما سبق؛ يصبح من المهم للرئيس الجديد أن يعى التوازنات الجديدة فى المجتمع المصرى ما بعد ثورتين، فإذا كان صحيحا أن النخبة ورجال السياسة يشغلون المساحة الكبيرة على مستوى الإعلام بجميع صوره وأشكاله، فإنه من الصحيح أيضا أن الحراك على أرض الواقع كان من نصيب الطبقات الفقيرة والمعدومة. بما يمكن معه القول إن الحراك الفضائى/ الإعلامى لا علاقة له بالحراك الموجود فى الشارع المصرى؛ فثمة فجوة واسعة بين القضايا والمشكلات التى تشغل النخبة على ساحة الفضائيات، وبين مشكلات وقضايا المواطن المصرى الذى يحلم بالأمن والعمل والعدالة الاجتماعية. ومن ثم فعلى الرئيس الجديد أن يعى أن ثمة فاعل جديد موجود ونشط فى المجال العام، بعيدا عن خطابات النخبة وفلسفتها، ولديه أجندة من القضايا تختلف كلية عما لديها، وهذا الفاعل الجديد هم فقراء مصر ومعدوموها الذين عانوا كثيرا فى عهد ما قبل الثورة وازدادت معاناتهم مع أحداث الثورة وتداعياتها، فكانوا أول من تحملوا ضريبتها ودفعوا من دماء أبنائهم ومستقبلهم الثمن الغالى، فيجب أن يكونوا فى مقدمة الصفوف التى يوليها الرئيس الجديد اهتمامه ورعايته بعيدا عن اللقاءات الإعلامية والخطابات المنمقة التى لن تلبى احتياجاتهم ومتطلباتهم، فكما كانوا فى عونك سواء فى الثلاثين من يونيو أو فى الثالث والسادس والعشرين من يوليو، وكذلك فى تأييدك فى هذه الانتخابات ومنحك ثقتهم، فمن المهم أن يكون جُل اهتمامك هو رعاية فقراء مصر وإنقاذهم مما يعانون منه؛ وهذه هى اللبنة الأولى فى بناء مصر الجديدة، فكما نعلم جميعا أن مناطق الفقر والعوز هى مفارخ جيدة للفساد والانحراف الأخلاقى وتنظيم شبكات العنف والإرهاب.

ثالثًا- من الأهمية بمكان أن يعى الرئيس الجديد أن مواجهة التحديات الجسام للعبور بمصر إلى بر الأمن والأمان لن يتأتى إلا ببطانة صالحة واعية وقادرة على قراءة الأوضاع المصرية بصورة صحيحة، ولديها حس وطنى وشعور بالمسئولية، فضلا عن رؤية لبناء المستقبل شريطة أن تكون مبنية على إمكانات الحاضر وقدراته دون تهوين أو تهويل. ولعل ما جرى فى العملية الانتخابية والأخطاء العديدة التى وقعت فيها حملة المشير عبد الفتاح السيسى تحتاج منه أن يعيد النظر أو الفرز فيمن شارك فيها، سواء أكان فى الحملة الرسمية أو على مستوى المحافظات التى تضمت حملتها بعضا من رموز الحزب الوطنى السابق، صحيح أنه من المهم ألا نقع فى تعميم أعمى بشأن كل من انتمى إلى الحزب الوطنى، فهناك المثقفون والمتميزون "وهؤلاء تواروا عن المشهد"، فى حين أن هناك فئات من المرتزقة تحاول الكسب فى جميع الحالات دون تمييز بين الصالح والطالح.

ما أود قوله: إن بناء مصر العصرية يستوجب ألا يُقصى أحد ويُستبعد إلا وفقا لأحكام القضاء بعيدا عن السياسة وتقلباتها. وفى هذا الإطارتجدر الإشارة إلى ما أصاب حزب النور من اتهامات بشأن مشاركته فى الانتخابات الرئاسية، فرغم إعلان الحزب منذ البداية توافقه مع الإرادة الشعبية، وإعلانه كذلك عن تأييده للمرشح عبد الفتاح السيسى وفقا لمجموعة من المعايير والضوابط التى ذُكرت حينها، وأيضا جهوده التى شهد بها الجميع فى الحشد والدعوة إلى المشاركة السياسية خاصة فى المناطق الريفية البعيدة عن ضوء الإعلام وكاميراته، إلا أن الحزب فوجئ بهجوم إعلامى واسع المدى حاول أن يُحمل الحزب مسئولية ما أخفق فيه الإعلام أو ما أخفقت فيه حملة المرشح عبد الفتاح السيسى؛ فكان من المهم إظهار الحقائق وجلاؤها أمام الجميع.
ملخص القول: إن تهنئة المشير عبد الفتاح السيسى واجبة على النجاح المتميز والمتوقع الذى حققه فى هذه الانتخابات، إلا أنه من المهم أن تكون ثمة دقات لأجراس الخطر قبل أن يتحمل عبء المسئولية ويغوص فى تبعاتها.