الحركة الإسلامية ..مشروع هداية أم سلطة؟

  • 169

فى رحاب الحرمين المكى والنبوى الشريفين وأمام قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، تدافعت الأفكار وتواردت الآراء وتصارعت الدفوع حول مآلات الحركة الاسلامية ومستقبلها فى ضوء ما تواجهه من صعوبات وما شهدته من تراجعات على الأصعدة كافة، حيث ظل التساؤل الذى وجهته قبل سفرى مباشرة فى حوار لى مع الدكتور ناجح ابراهيم نشرته جريدة الشرق الاوسط اللندنية بشأن الحركة الاسلامية، هل هى مشروع سلطة أم مشروع هداية؟ هو التساؤل المحورى الذى شغل فكرى ومازال، محاولا البحث عن اجابات عليه، خاصة وأن ما تواجهه الحركة اليوم من صعوبات وتحديات تفرض عليها فى سبيل الخروج من اوضاعها الراهنة الاجابة على العديد من التساؤلات حول الأسباب والعوامل التى آلت بها إلى هذا الوضع؟

هل راجعة إلى عوامل ذاتية اى تتعلق ببنية الحركة ذاتها ونشأتها وفكر القائمين عليها أم هى ناتجة عن عوامل متعلقة خارجها سواء بسبب البيئة السياسية والاجتماعية أو بسبب مؤمرات تحاك ضدها؟

أم عوامل جامعة بين الذاتية والخارجية؟

وما هى جهود قادة هذه الحركات ومنتسبيها فى مواجهة هذه التراجعات؟

هل لديهم رؤي وسياسات بديلة من خلال اجتهادات حقيقية مبنية على أسس شرعية أم ما زالت مواقفهم تدور فى حلقة مفرغة من أفكار ثابتة وجامدة غير قادرة على التعامل مع الواقع ومتغيراته، والحاضر ومتطلباته، والمستقبل واستحقاقاته؟

فى خضم الإجابة على هذه التساؤلات، رأيت من الأهمية بمكان ان أسجل ثلاثة ملاحظات تفتح الباب أمام مزيد من المناقشات والحوارات الجادة للوصول إلى رؤى حقيقة وعملية تسهم فى استعادة الحركة الاسلامية لدورها فى المجتمع بعد تصحيح اخطاءها ومراجعة افكارها، وتتمثل هذه الملاحظات فيما يلى:


أولاً- تكاد تتفق معظم التحليلات والتقارير التى تناولت الحركة الاسلامية ومستقبلها على أن ثمة جملة من الأخطاء وقعت فيها الحركة وخاصة فى مصر مع وصولها إلى قمة هرم السلطة بنجاح ممثل جماعة الاخوان فى الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية، فضلا عن سيطرة أنصار الحركة على السلطة التشريعية بمجلسيها (الشعب والشورى قبل الغاء الأخير فى دستور 2014). وعليه، فعلى أعضاء هذه الحركات جميعها وعلى رأسهم انصار جماعة الاخوان ومن يدور فى فلكها الاعتراف بأن هناك اخطاء عديدة سياسية وادارية واقتصادية واجتماعية ارتكبتها الجماعة أدت الى تراجع مكانتها ودورها ليس فقط على مستوى السلطة وإنما فى علاقتها بالمجتمع المصرى، فعلى سبيل المثال الربط الخاطئ بين الشرعية والشريعة التى حاول البعض ان يؤكد عليه يحمل فى طياته خلطا مرفوضا شرعا بين المقدس والبشرى، فإذا كانت الشريعة هى المقدس والثابت، فإن الشرعية التى ترتبط بالمتغير السياسى لا يمكن أن ترقى الى هذا المستوى.

ولم يقتصر الامر على ذلك فحسب، بل كان أسلوب إدارة الدولة فى عهد الرئيس السابق محمد مرسى يعكس إلى درجة عالية خلطا بين إدارة دولة بحجم وقدر ومكانة مصر وبين إدارة جماعة أو جمعية ظلت سرية وتعمل فى الخفاء على مدى ثمانين عاما. ولا شك أن ثمة فارق جوهرى بين ادارة دولة وإدارة جماعة أو جمعية، وهذا الأسلوب أدى إلى أخطاء قاتلة فى علاقة الحركة وليست الجماعة فحسب بكثير من مؤسسات الدولة التى وجدت فى أسلوب الجماعة تهديدا حقيقيا لوجودهم كما حدث مع مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء بل والجهاز الغدارى للدولة فى ظل سياسة الأخونة التى انتهجت الجماعة.

ثانيًا- لم تقتصر أخطاء الحركة على ما سبق فحسب، بل حدث خلطًا فى رؤية الحركة لدورها ومسئولياتها بل ما تطرحه من مشروع بديل. فمن المؤكد أن مشروع أية حركة إسلامية من المفترض أن يكون مشروع هداية وليس مشروع سلطة، وأن السلطة هى جزء من الكل.

فالنظر إلى السلطة على أنها الغاية كما يظهر اليوم فى مواقف جماعة الاخوان والمؤيدين لها فى تقاتلهم من أجل استعادة السلطة التى فقدوها بسبب اخطاءهم، يعكس مدى الخلط لدى هذه الجماعات بين الغاية والوسيلة، فالهداية إلى الله هو مشروع الحركة الإسلامية فى حين أن السلطة هى الوسيلة التى يمكن أن تلجأ اليها الحركة لتحقيق غايتها.

وعليه إذا ما تعارضت الوسيلة مع الغاية، فعليها أن يتخلى عن الوسيلة من أجل الحفاظ على الغاية السامية التى تستهدفها وإلا فقدت الحركة مشروعها الحقيقى وتطابق موقفها مع مواقف مرفوضة دينيا تتبنى مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، فالنهج الذى تتبناه جماعة الاخوان وتحالف الشرعية المبنى على العنف من أجل تحقيق غايته نهج مرفوضا شرعًا بل يتعارض كلية مع منطلقات الشريعة وأحكامها ومبادئها ولعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ياأيها الناس إنما أنا رحمة مهداة" يمثل ردًا قاطعًا على رفض هذا المنهج الاخوانى القائم على العنف والفحش فى الخطاب والذى بدأ يظهر على لسان منتسبى هذه الجماعة وتحالفاتها.

جملة القول إن حركة الاخوان وتحالف الشرعية تخلى عن جوهر مشروعهما الذى يجب أن يكون مشروع هداية وليس سلطة، وأن السلطة هى وسيلة لتحقيق الغاية، ويجب ألا تتعارض وسائل تحقيق الغاية مع جوهرها ومضمونها وإلا انحرف المشروع عن هدفه.

ثالثا- ارتباطا بما سبق، يمكن القول إن تصحيح المفاهيم وتوضيح الحقائق وإجلاء المبهم أمام الرأى العام هى مسئولية أبناء الحركة الاسلامية القادرين على الفرز بين المقدس الثابت والبشرى المتغير، ولعل الدور الذى يجب أن تلعبه مؤسسات الدولة المصرية وعلى رأسها الأزهر الشريف ووزارة الاوقاف بالاضافة الى الحركة السلفية الصحيحة القادرة على الجمع بين أحكام الشريعة الغراء ومبادئها ومتغيرات الواقع ومتطلباته، يمثل الدور الأكثر اهمية فى تلك المرحلة الخطيرة التى يحدث فيها كثير من الخلط بسبب الخطاب الإخوانى المنحرف عن جوهر الدين الاسلامى الصحيح بتبنى الفكر التكفيرى الذى يمهد الطريق للعنف والارهاب.

فالمعادلة القائلة بأن التكفير هو بداية التفجير يجب أن يعيها الجميع وخاصة الشباب الذى يقع فريسة تحت شعارات الجهاد والشهادة فى سبيل الله، فى حين أن حقيقة الدين الاسلامى وجوهره أنه دين سلام للجميع، فلم من أجل ان تعيش الانسانية فى عذابات وصراعات وقتل وعنف وإنما جاء لإسعاد الانسانية جمعاء، فهل هذا هو الموجود لدى الجماعة وحلفاءها؟ 

 نهاية القول: إن الحركة الاسلامية هى مشروع هداية للانسانية بما تحمله من قيم التسامح والحب والاخاء والمساواة وعلى رأسها قيمة العدل كقيمة حاكمة فى المنظومة الاسلامية، وأن السلطة هى وسيلة لتحقيق هذا المشروع وليست غايته. وعليه، فالوسيلة يجب أن تظل فى إطار الغاية ومتفقة مع جوهرها ومضمونها.