عاجل

ثلاثية الإخوان ... الخطأ والخطيئة والجريمة

  • 148

يثار الحديث كثيرًا عما وصلت إليه جماعة الإخوان فى مصر فى ظل ما جرى منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير وحتى اليوم، حيث شهدت الجماعة جملة من التحولات والتقلبات العنيفة خلال مدة زمنية لم تتجاوز الأعوام الثلاثة، فانتقلت من جماعة محظورة من العمل السياسى خلال فترة الرئيس الأسبق حسنى مبارك وإن لم يمنع ذلك من نجاحها فى حصد بعض المكاسب السياسية مثل سيطرتها على بعض مجالس النقابات المهنية كالأطباء والمهندسين فضلا عن نجاحها فى حصد عدد من المقاعد البرلمانية (14 مقعدا فى برلمان 2000-2005، 88 مقعدا فى برلمان 2005-2010)، لتصبح جماعة فاعلة على الساحة السياسية بعد الثورة بل نجحت فى الاستحواذ على صدارة المشهد السياسى بأكمله، من خلال ما حققته من نجاحات عدة فى الاستحقاقات التى جرت عقب الثورة بدءا من انتخابات مجلسي الشعب والشورى حيث حصدت الأغلبية بما مكنها من السيطرة على المقاعد الرئيسية فى المجلسين، نهاية بالانتخابات الرئاسية ونجاح مرشحها الرئيس السابق محمد مرسى فى الوصول إلى كرسى الحكم، لتبدأ الجماعة فى الاستحواذ على مفاصل الدولة من خلال خطة محكمة انطلقت فيها من استبعاد مختلف الفصائل السياسية التى كانت شريكة معهم فى التخلص من نظام الحكم الأسبق الذى رضخت مصر تحت ظله لمدة ثلاثين عاما.

ومن هنا بدأت سلسلة التراجعات للجماعة فكان الخطأ هو الخطوة الأولى التى وضعت الجماعة على هذا الطريق خاصة مع إصدار الإعلان الدستورى  فى نوفمبر 2012 بما تضمنه من نصوص عكست الرؤية الإخوانية فى إدارة الدولة بصورة منفردة دون شراكة أو مشاركة من أحد.

ورغم المناشدات والمطالبات سواء من جانب القوى السياسية أو المجتمعية للتراجع عن هذا الخطأ وإعادة النظر فى المسار برمته، فإن الجماعة استمرت فى عنادها تحت مبررات وهمية ومعلومات غير واقعية عن وجود مؤامرات من هذا الطرف أو ذاك. وكانت نتيجة هذا العناد أن انتقلت الجماعة فى تعاملها مع الأحداث وتطورها وتصعيدها إلى مرحلة جديدة وهى مرحلة الخطيئة، ففى هذه المرحلة لم تعِ قيادات الجماعة مدى ما وصلت إليه الأمور من تعقيدات وتشابكات على مختلف الأصعدة، حيث بدأت الجماعة تتعامل مع مؤسسات الدولة المختلفة وأجهزتها وخاصة أجهزة الإعلام والشرطة والقضاء من منطلق العداوة، حيث نظرت إلى القائمين عليها على أنهم متآمرون عليها وعلى رجالاتها، فبدأت فى انتهاج سياسة أُطلق عليه آنذاك "الأخونة"، حيث سعت الجماعة إلى إسناد غالبية المناصب فى الجهاز الإدارى للدولة فى جميع مستوياته إلى من ينتمون إلى الجماعة أو يؤيدونها دون النظر لاعتبارات الكفاءة والمهنية والخبرة العملية والقدرات العلمية، وهو ما أدخل الجماعة فى مأزق مجتمعى كشف عن تعارض جلى بين مبادئ وشعارات ترفعها حول العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص من جانب، وبين ممارسات على أرض الواقع تُكذّب كل هذه الشعارات بل تتعارض معها كلية. وهكذا، استمرت الجماعة فى مسارها دون الالتفات إلى أية نصائح تُسدى إليها أو مطالبات تُرفع إلى قادتها، إلى أن وصل الاحتقان فى المجتمع إلى حده الأقصى بما ينذر باحتراب أهلى يهدد كيان الدولة واستقرارها ووحدة المجتمع وتماسكه، بما دفع بالمؤسسة العسكرية التى رأت أن الأمور تتجه نحو المزيد من التأزيم والتعقيد بما يفرض عليها واجب التدخل لحماية الدولة والمجتمع، فكان ما جرى فى الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو 2013 بهدف وضع حد لما وصلت إليه الأمور من تدهور وتراجع.

وما يثير الدهشة أن الجماعة رغم مسئوليتها الأساسية والأصلية عما آلت إليه الأوضاع منذ أن تسلمت مقاليد الحكم بسبب أخطاء ارتكبتها وخطايا وقعت فيها، لم تدرك كل ذلك واستمرت فى نهجها لتبدأ مرحلة ثالثة فى حياتها وهى مرحلة "الجريمة" وذلك حينما انتهجت العنف وسيلة لاستعادة ما فقدته من مكاسب بسبب ممارستها، وتلك هى الجريمة التى لن يغفرها المجتمع المصرى للجماعة على ما ارتكبته فى تجاوزات فى حقه.

فصحيح أن الجماعة تعلن أنها غير مسئولة عما يُرتكب من إرهاب ضد الدولة ومؤسساتها والمجتمع وأفراده، إلا أنه من الصحيح أيضًا أن هذا الخطاب غير قابل للتصديق فى ظل استمرار دعواتها للتظاهر والاعتداء على مختلف مؤسسات الدولة وخاصة ما يجرى فى الجامعات المصرية، وكان آخرها الجريمة الإرهابية التى وقعت أمام جامعة القاهرة.

خلاصة القول:

إن ما وصلت إليه جماعة الإخوان اليوم من تردٍّ فى أوضاعها وتراجع فى مكانتها فى المجتمع المصرى كان نتيجة لمنظومة ثلاثية من الخطأ الذى تصاعد فى مستواه ليصل إلى مستوى الخطيئة التى تنامت بدورها لتصل إلى الجريمة النكراء التى ترفضها كل الأديان السماوية والأعراف البشرية والقيم الإنسانية، وهى جريمة الترهيب والإرهاب التى تُمارس ضد المجتمع. بما يطرح بدوره تساؤل: ألم تع الجماعة وقادتها أن الاستمرار فى هذا النهج لن يؤدى بها إلا إلى المزيد من الخسائر والتراجعات والانتكاسات التى ستصل إلى بها فى نهاية المطاف إلى الاختفاء والتلاشى من المجتمع المصرى الذى أثبت على مدار تاريخه العريق على مدى سبعة آلاف عامًا أنه مكون من نسيج مختلف قادر على استيعاب الآخر دون أن يُستوعب هو فى ذلك الآخر، ووقائع التاريخ وأحداثه دالة على ذلك، فمتى تفيق الجماعة من غيبوبتها وترجع إلى رشدها؟