وجدى غنيم وتعلُّم فضائل الأدب

  • 175

جاء الإسلام وشأنه شأن الأديان السماوية التى سبقته من أجل الحفاظ على كيان البشرية جمعاء بنشر الفضائل ومحاربة الرذائل، من خلال خطاب دعوى قائم على أسس عادلة وقيم منضبطة وسلوكيات رشيدة

ومن أبرز هذه القيم التى يجب أن يتميز بها هذا الخطاب أن يكون هاديًا ومؤدبًا سواء فى أسلوبه أو كلماته الموجهة إلى المخاطبين به كافة سواء أكانوا مؤمنين به أم غير مؤمنين. ويأتى هذا الحديث بمناسبة ما جاء على لسان القيادى الإخوانى وجدى غنيم من هجوم شرس على حزب النور الذى وقف مؤيدًا للإرادة الشعبية فى الثلاثين من يونيو التى رأت أن حكم جماعة الإخوان لم يعد صالحا بسبب ممارستهم السلبية وخروجهم المستمر عن المسار الوطنى الذى تم التوافق عليه مع الدكتور محمد مرسى قبيل إعادة الانتخابات الرئاسية، وقد سبق أن كتبت مقالا فى هذا الخصوص حاولت فيه الاجابة عن سؤال "هل خان حزب النور الدكتور محمد مرسى؟"، وكشفت فيه عن بعض الحقائق التى ارتبطت بما جرى فى الثلاثين من يونيو وما قبلها، وذلك فى محاولة إلى تصحيح الصورة لدى أتباع الجماعة وحلفائها الذين تصوروا أن ما جرى لجماعة الإخوان كان انتقاما من جانب بعض التيارات الليبرالية والعلمانية بالتحالف مع المؤسسة العسكرية وأن حزب النور وقف إلى جوارهم.

إلا أن الحقيقة التى لا يمكن إنكارها أن ما وصلت إليه جماعة الإخوان من فشل وإخفاق يرجع فى المقام الأول إلى ممارستهم التى شابتها العديد من السلبيات القاتلة سواء فى علاقاتهم مع القوى السياسية الموجودة على الساحة الوطنية أو مع مؤسسات الدولة المختلفة بدءًا من الداخلية والقضاء والإعلام مرورًا بالجهاز الإدارى للدولة وصولا إلى المؤسسة العسكرية التى حاولت الجماعة أن تُخضع هذه المؤسسات لسلطانها، فضلا عن فشلهم الذريع فى التعامل مع مختلف قضايا الدولة المصرية داخليا وخارجيا، حيث اقتصر جُل همهم على السيطرة على مفاصل الدولة وكأنها غنيمة حرب انتصرت فيه الجماعة، وهو ما دفع البعض إلى تصوير ما جرى على أن ثمة جماعة ظهرت إلى الوجود وتحاول أن تبتلع الدولة المصرية، وهو بلا شك تصورات خيالية وأحلام ليست وردية.

نعود إلى ما جاء به وجدى غنيم الذى ما فتئ فى كل أحاديثه وخطبه ولقاءاته إلا أن يشن هجوما بذيئًا على كل من يخالفه سواء أكان فى الجماعة أو خارجها، ولعل ما جرى فيما سبق بحق الشيخ مشارى راشد وكذلك ما جرى لحزب النور من قبل، بل ما لحق بالمجتمع المصرى بطوائفه وانتماءاته كافة، يجعل ما جاء على لسانه هذه المرة حلقة جديدة من حلقات البذاءة التى اتسم بها وجدى غنيم، وهو ما يستوجب بداية من وسائل الإعلام المختلفة أن تحذف مصطلح "الداعية" التى تستخدمه فى تقديم حديثه، فلا يصح أن نصف الخرافات والأكاذيب والادعاءات الباطلة التى تجرى على لسان وجدى غنيم بأنها تخرج من داعية. كما أننى أنتهز هذه المناسبة لأوجه إلى وجدى غنيم ثلاث رسائل سريعة لعله يعود إلى رشده وإن استمر فى ظلماته، فلعل التابعين والمريدين له أن يستفيقوا من ثباتهم ويصححوا مواقفهم قبل فوات الأوان، والرسائل هى:

الأولى- لم يتعلم وجدى غنيم الذى درس التجارة ولم نعلم إن كان له باع فى دراسة الشريعة الإسلامية وأحكامها والفقه وضوابطه أم لا، كيف يمكن أن يخاطب المختلف معه فى الرأى والفكر؟ فالقرآن الكريم مليء بالآيات التى تضع ضوابط للحوار أو لأدب الحوار ليس فقط بين المختلفين فى إطار الدين الواحد أو المذهب الواحد وإنما فى الحوار مع الآخر المختلف دينيا ومذهبيا ولعل ما جاء فى قوله تعالى معلما سيدنا موسى فى دعوته لفرعون يدل على كيف يكون الخطاب الدعوى، فقال تعالى:"اذهب إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتزكى"، وكذلك فى قوله تعالى لرسوله الكريم "وجادلهم بالتى هى أحسن". فمثل هذه الآيات التى لم يفهم جوهرها وجدى غنيم تمثل حجة عليه وعلى أتباعه ممن يرضون أسلوبه وخطابه.

الثانية- ارتباطًا بما سبق، هناك كثير من الآيات والأحاديث التى تُعلٍّم وجدى غنيم ومن يدور فى فلكه أن السباب والشتائم ليست من سمات المسلمين تصديقًا لما جاء فى الحديث الشريف:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فهل من الأخلاق ومكارمها التى بُعث بها النبى والتى يجب علينا أن تسير على نهجها أن نسب ونشتم من يختلف معنا فى الرأى أو الفكر؟

ألم يقرأ وجدى غنيم الذى يعد نفسه داعية وقياديا فى جماعة من المفترض أنها جماعة دعوية حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال "قيل: يا رسول الله! ادعُ على المشركين؟ قال: إِني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة"؟

الثالثة- إذا كان صحيحًا أن ما جاء على لسان وجدى غنيم من إساءة وهجوم ضد حزب النور لن ينتقص من قدر الحزب ومكانته التى يستمدها من تمسكه بشرع الله ونهج رسوله واتباع السلف الصالح، وهى السمات التى رسخت بدورها وجوده داخل المجتمع المصرى، حيث تتألف الرؤى وتتقارب الأفكار التى يطرحها الحزب مع طبيعة المجتمع وطرائق تفكيره.

إلا أن هذه الإساءات التى تتكرر بين الحين والآخر ليس فقط ضد حزب النور وإنما ضد المخالفين مع وجدى غنيم وجماعته وتحالفاته، تستوجب أن يتم وضعها فى ميزان الشريعة الإسلامية.

صحيح أننى لا أنصب نفسى حكما على الناس ولا أملك ميزانا لأقيس به أعمالهم وأفكارهم وعقيدتهم. ولكن على المرء أن ينظر دائما إلى نفسه حتى يقيّم أفكاره وسلوكياته فإذا ما وجد فيه اعوجاجا فعليه أن يُسرع بإصلاحها واستعادته للنهج القويم

ومن هنا، فعلى وجدى غنيم ومن يتبعه أن يضع سلوكياتهم وتصرفاتهم فى ميزان الشريعة الإسلامية وأحكامها، وأضع أمامهم إضافة إلى ما سبق ذكره من آيات وأحاديث، حديثا مهما قد ينطبق على بعض هذه السلوكيات وهو حديث عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتي يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".

وقال الحافظ ابن حجر فى تعريف الفجور هو:- الميل عن الحق والاحتيال في رده. والمراد أنه إذا خاصم أحدًا فعل كل السبل غير مشروعة، واحتال فيها حتى يأخذ الحق من خصمه، وهو بذلك مائل عن الصراط المستقيم

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم:- 
  (إذا خاصم فجر) ويعني بالفجور أنْ يخرج عن الحقِّ عمدا حتى يصير الحقُّ باطلا والباطل حقا، وهذا مما يدعو إليه الكذبُ ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - إيَّاكم والكَذِبَ، فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفُجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النارِ، وفي  الصحيحين  عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم إنَّ أبغضَ الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِمُ.

خلاصة القول:

إن هذه الرسائل الموجهة إلى وجدى غنيم وأتباعه تمثل جرس إنذار لهم ليتعلموا مقاصد رسالة الإسلام من تهذيب للأخلاق، وتزكية للنفوس، وتنقية للمشاعر، ونشر للمحبة والألفة وروح التعاون والإخاء بين أبناء المجتمع الواحد بل البشرية جمعاء بعيدا عن البذاءات اللفظية والتجاوزات الأخلاقية والممارسات الإرهابية.