فتوى عبد المقصود في ميزان الشريعة الإسلامية

  • 168

يواجه المجتمع المصري في هذه اللحظة الحرجة جملة من التحديات بعضها أمنى وبعضها سياسي ومنها ما هو اقتصادي إلا أن أبرزها وأشدها خطورة ما هو ديني، فما جرى خلال حكم جماعة الإخوان المسلمين من خلط كبير بين مبادئ الدين الإسلامي وأحكامه وشريعته الغراء وبين اجتهادات رجال الجماعة وآرائهم التي تعكس في كثير من الأحيان عدم فهم صحيح لجوهر الدين ومنطلقاته التي تستهدف الخير للبشرية جمعاء، وهو ما انعكس بدوره بصورة سلبية لدى بعض فئات المجتمع تجاه أصحاب المرجعية الدينية.

ومما يزيد الطين بلة أن رجالات الجماعة والمرتبطين بها أو المحسوبين عليها ما يزالون يمارسون الأخطاء ذاتها دون فهم أو إدراك لمآلات ذلك على علاقتهم مع المجتمع والدولة. فبدلا من أن يدركوا أخطاءهم ويحاسبوا أنفسهم على ما اقترفوه في ذنب المجتمع المصري حينما سعوا إلى الاستحواذ على المناصب كافة وإقصاء الجميع من المشهد أملا في أن حُلمهم قد تحقق في إقامة دولة الإخوان على أرض الكنانة، وبدلا من الاستفادة من دروس الماضي وأخطائه، استمروا على النهج ذاته يكررون ذات الأخطاء ويرتكبون ذات الحماقات بما يحقق معه صحة المقولات التي تقال بحقهم في عدم قدرتهم على التعامل مع منطلقات الواقع ومتطلباته شريطة ألا يخل هذا التعامل بمبادئ الدين وأحكامه.

ولعل الفتوى الذي أصدرها الدكتور محمد عبد المقصود مؤخرا وبثتها قناة "رابعة" المحسوبة على جماعة الإخوان التي أباح فيها الاعتداء على ضباط الشرطة والجيش ودعا شباب الجماعة أو ما يسمى اليوم بتحالف دعم الشرعية لحرق سياراتهم الخاصة ومنازلهم، وكذلك حرق أقسام الشرطة وسياراتها معتبرا أنها من السلمية، تدل على إصرارهم على تكرار أخطائهم، وعدم قدرتهم على فهم حقائق الواقع ومتغيراته، فضلا عما لديهم من خلط واضح في المفاهيم، فكيف تُعتبر مثل هذه الدعوة من السلمية؟

وما معنى السلمية لديهم؟ هل السلمية تعنى إرهابا وقتلا واعتداء على المال العام والخاص؟

هل السلمية لديهم تعنى الاعتداء على الشخص لمجرد أنه يرتدى زيًا عسكريًا أو شرطيا؟

هل السلمية لديهم تعنى الاعتداء على أبرياء من أسر هؤلاء الضباط من الشرطة والجيش؟ فما ذنب أولادهم وزوجاتهم حتى إن أخطأ المسئول الشرطي أو العسكري؟

هذه الأسئلة التي تثيرها الفتوى التي يمكن اعتبارها ضمن ما يطلق عليه "الفتاوى الشاذة"، تستوجب تسجيل ثلاث ملاحظات تلقى الضوء على مضمونها وتمثل ردا شرعيا عليها، وذلك على النحو التالي:

أولاً- ليست مبالغة القول بأن هذه الفتوى – وإن كان الأصح أن نُطلق عليها رأيا بل إنها لا ترقى إلى مستوى الرأي وإنما يمكن اعتبارها من البدع والخرافات- تمثل مخالفة واضحة لمبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها. لأنه لا عبرة للفتاوى المخالفة للنصوص الصحيحة الواردة في القرآن والسنة، فحينما يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)،

فما الأساس الشرعي الذي استند إليه الدكتور عبد المقصود في إصدار هذه الفتوى؟

هل مجرد انتماء الشخص إلى مؤسسة معينة في الدولة يحل قتله والاعتداء عليه وعلى أسرته وممتلكاته دون أن يرتكب خطأ؟

وإذا ما ارتكب هذا الفرد خطأ وصل به إلى حد القصاص، فمن المسئول عن تطبيق هذا الحد؟

هل الحاكم المسئول أم شباب الجماعة والتحالف؟

وهل يجوز أن أطبق الحكم الشرعي في شخص لم يرتكب ذنبا بحجة أنه يرتبط بمن ارتكب هذا الذنب بصلة قرابة حتى ولو كان والده أو ولده؟

فما رد الدكتور عبد المقصود على قول رب العزة: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)؟

ألم يقرأ قصة سيدنا يوسف وما فيها من عبر؟

ولعلي أحيله إلى ما ورد فيها من آيات لعلها ترجعه إلى صوابه، فيقول الله عز وجل على لسان سيدنا يوسف حينما احتال على أخذ أخيه بنيامين، بوضع السقاية في رحل أخيه - في القصة المعروفة - جاء إخوته يقولون: (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).

فأجابهم يوسف قائلاً: (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ)، فالوصف الشرعي لمن يقوم بمثل هذا العمل هو "الظلم" وهو ما حرمه الله على نفسه وجعله محرمًا بين عباده.

ثانيًا- من هذا المنطلق، فإنني أدعو الدكتور محمد عبد المقصود إلى التوبة إلى الله عن هذا الرأي الفاسد الذي يُحمّله المزيد من الأوزار والذنوب كما جاء في الحديث الشريف الذي أخرجه الإمام أحمد وغيره: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما مِن نفس تُقتل إلا كان على ابن آدم الأول شطر من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)، وذلك في إشارة إلى قابيل حينما قتل أخاه هابيل.

بما يعنى أن دعوته إلى قتل الأبرياء تجعله محملا أو شريكا في الذنب ما لم يتب ويسترجع في دعوته، حتى لا يتحمل وزر من يُقدم على مثل هذا الفعل، وذلك تطبيقا للحكم الإلهي الذي قررته الآيات القرآنية التالية: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ)، وقولُه: (وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ)، فتدل هذه النصوص على أن الإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من ذنوب، وإثم الذين أضلهم بقوله وفعله.

ثالثًا- أدعو شباب الجماعة ومن ينتمي إلى التحالف معها ألا ينساقوا وراء مثل هذه الفتاوى الشاذة التي لا تستند إلى أصل شرعي ولا تعتمد على أدلة معتبرة شرعًا، وإنما تستند إلى مصلحة موهومة ملغاة شرعًا، نابعة من الأهواء والتأثر بالظروف والأحوال والأعراف المخالفة لمبادئ وأحكام الشريعة ومقاصدها. منبها أنهم مسئولون أمام الله عن تطبيق هذه الفتوى، فصحيح أنه يشاركهم في الإثم بسبب هذه الفتوى، إلا أنهم أيضا مكلفون، فيجازون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، لا يحمل أحد خطيئة أحد ولا جريرته تطبيقا للقاعدة الإلهية التي سبق أن أشرت إليها بأنه لا يحمل أحد وزر أحد، كذلك قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).

خلاصة القول:

إن هذه الفتوى تمثل استمرارًا لمنهج الجماعة وتحالفها في نشر الإرهاب والاعتداء على الأبرياء بما يخالف الشرع الحنيف، ويضع المسئولية على الدولة ومؤسساتها وأجهزتها في القضاء في رفض مثل هذه الفتاوى والرد عليها وتصحيح المفاهيم لدى الشباب، فضلا عن دورها في حماية المجتمع وضمان أمنه واستقراره بالضرب بيد من حديد على كل من يحاول أن يمارس الإرهاب والعنف بحق أبنائه.