قانون الرئاسة بين مؤيد ومعارض

  • 164

مع صدور القرار بقانون رقم 22 لسنة 2014 بتنظيم عملية الانتخابات الرئاسية، انتاب المجتمع المصرى حالة من الحراك وربما الارتباك بشأن ما تضمنه القانون من نصوص وما وضعه من أحكام لتنظيم تلك العملية. وإذا كان صحيحا أن صدور هذا القانون يؤكد على عزم الدولة المصرية لاستكمال خارطة الطريق التى رسمت خطواتها فى اوائل يوليو الماضى، إلا انه من الصحيح أيضا ان استكمال هذه الخطوات يجب ألا يخرج عن القواعد الدستورية والضوابط القانونية. فالقانون الصادر فى مجمله يحظى بالتوافق على ما يزيد عن 80 فى المائة من مواده، إلا ان ثمة عدد من المواد تستوجب اعادة النظر فيها، ومن أبرزها ما يلى:

أولاً- جاء من بين الشروط الواجب توافرها فى رئيس الجمهورية ألا يكون قد حُكم عليه فى جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ولو كان قد رد اليه اعتباره، وهو شرط يمثل مخالفة صريحة للقانون الذي يعتبر رد الاعتبار بمثابة البراءة لمن صدر بحقه حكم، لأنه يسقط الآثار المترتبة على الحكم، كما يمثل فى الوقت ذاته تصالح المجنى عليه مع المجتمع، وإعطائه فرصة جديدة لإدماجه فيه كمواطن صالح مرة أخري. اضافة إلى ذلك أن الشخص الذى صدر بشأنه حكم وتم رد الاعتبار اليه كيف يمكن معاملته على أنه متهم، لاسيما وأن رد الاعتبار فى الجنايات يكون بعد سنوات كثيرة يقضيها المواطن محروما من حقوقه كعقاب إضافى إلى عقوبة السجن؟ فى حين أن القاعدة القانونية تنص على أنه لا يجوز أن يحاكم الشخص عن ذات الجريمة مرتين.

ثانيًا- تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية من الطعن عليها طبقا لما ورد فى المادة السابعة من نص القانون والبند (14) من المادة السادسة، وهو ما يعتبر مخالفة صريحة للمادة 97 من الدستور التى تحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء. فصحيح أن لجنة الانتخابات هى لجنة قضائية إلا أن ما يصدر عنها هو قرارات إدارية لا يجوز أن تحصن من الطعن عليها، فصبغة القضائية التى تتسم بها اللجنة لا تنسحب على ما يصدر عنها من قرارات يكون لها الصفة الادارية. فضلاً عن ذلك إن عدم الأخذ برأى مجلس الدولة فى عدم جواز التحصين يثير التساؤل حول الجدوى من عرض الأمر عليه، فكما هو معلوم فى النظام الأسبق فى عهد مبارك أن أحكام القضاء وقراراته لا قيمة لها اذا ما تعارضت مع مصلحة السلطة الحاكمة وهو ما كان يتم بصورة صريحة فى العملية الانتخابية، بما يجعل من غير المقبول أن يظل الأمر ساريا فيما بعد ثورتين. فإننا إذا كنا ازاء بناء دولة القانون، فيجب على أعلى سلطة فى البلاد أن تذعن لحكم القانون.

مما يثير الاستغراب أنه قد تم الأخذ برأى كل من مجلس الوزراء والجمعية العمومية للمحكمة الدستورية والذى جاء رأيها وأخذ به مجلس الوزراء ثم الرئاسة بالنص على أن:" قرارات اللجنة العليا (محصنة) بقوة الدستور، ولا داعى لإضافة نص تشريعى إلى قانون المحكمة، يسمح لها بسرعة الفصل فى الطعون المحالة إليها من المحاكم بشأن الطعن على قرارات اللجنة، ذلك لأن المادة 228 فى الدستور تحصن قراراتها"، فى حين أنهما ليسا اصحاب الاختصاص، بل زد على ذلك أن المحكمة الدستورية ليس لها ولاية في إبداء رأيها في مسألة لم تعرض عليها، وهو ما قد يفقد قضاتها صلاحيتهم في نظر المسألة الدستورية إذا عرضت عليهم مستقبلا. إضافة إلى ما سبق أن الاحتجاج بالمادة  228 من الدستور والتى تنص على استمرار اللجنة السابقة للإشراف على الانتخابات الحالية لحين تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات، لا يعنى استمرار العمل وفقا للقواعد القانونية السابقة التي أُلغيت بالنص الدستوري المستحدث الذى رسم مسار آخر للعملية الانتخابية وضوابطها قد تختلف فى كثير من جوانبها عما كان سائدا من قبل. وجدير بالذكر أن خطورة مثل هذه الخطوة تتمثل فى أنها قد تطيح بشرعية الانتخابات الرئاسيه المقبلة إذا ما طُعن عليها فى المستقبل، بما يستوجب تدارك هذا الخطر قبل وقوعه.

ثالثا- أفرد القانون فى مادة مستقلة رقم (8) مهمة للجنة الانتخابات الرئاسية فى القيام بتوعية المواطنين بأهمية الانتخابات الرئاسية والدعوة الى المشاركة فيها، وهى مهمة لا تتناسب مع دور اللجنة واختصاصاتها من جانب، كما انها لا تتناسب ايضا مع طبيعة تشكيل اللجنة. فكيف يمكن لاعضاء اللجنة من القضاه ان يتولوا الترويج للعملية الانتخابية؟ وهو ما يعنى خروجهم إلى الفضائيات والمؤتمرات والادلاء بتصريحات وآراء والتعبير عن مواقف وتوجهات، وهو ما يتعارض مع طبيعة عملهم. فضلاً عن عدم توافر الوقت المناسب للجنة للقيام بهذه المهمة التى هى من اختصاص جهات وأجهزة أخرى كمؤسسات المجتمع المدنى المعنية بالعملية الانتخابية وكذلك وسائل الاعلام بمختلف صورها وأشكالها. 

رابعا- جاء من ضمن الضوابط المنظمة لعملية الدعاية الانتخابية "عدم استخدام الشعارات الدينية"، فما هو المقصود بالشعارات الدينية فى هذا النص؟ هل المقصود بها عدم استخدام دور العبادة والمنابر الدينية  في الدعاية الانتخابية؟ فإذا كان هذا هو المقصود، فقد ورد الحظر على ذلك فى بند آخر. أما اذا كان لها تعريف آخر، فلا بد أن يتم تحديد ما هى هذه الشعارات بصورة واضحة؟ وهل جميع الشعارات الدينية محظورة أم ثمة تمييز بين الشعارات التى قد تلجأ إليها بعض الاحزاب لتعريف الناخبين ببرنامجها الانتخاب القائم على المرجعية الدينية ويشمل العديد من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وتلك الشعارات التى تؤدى إلى ايجاد المشاكل وتأجيج الطائفية واثارة الخلافات بين المواطنين؟ إذا كان ثمة تمييز، فمن يتولى تحديد ذلك وتقييمه؟ وما هى المعايير والأسس التى على أساسها يتم التقييم؟ بما يوجب أن تأتى اللائحة التنفيذية للقانون لتوضح ما هو المقصود بالشعارات الدينية منعا لحدوث أى لبس أو خلط.

ملخص القول إن الملاحظات السابقة تستوجب من صانعى القرار أن يأخذوا بعين الاعتبار ما يبديه المجتمع ونخبته من اعتراضات أو انتقادات تستهدف تصويب المسار وتصحيحه بما يضمن استكمال الاستحقاقات التى تضمنتها خارطة الطريق بصورة تسهم فى بناء الدولة العصرية التى ينشدها الجميع وهى دولة القانون وسيادته والقضاء وقدسية أحكامه.