ترتيب ما بعد الاستفتاء

  • 180

حينما يُنشر هذا المقال فى جريدتنا الغراء نكون قد انتهينا من أيام الاستفتاء على تعديلات دستور 2012، والذى سبقه تصويت المصريين بالخارج بما شهده من إقبال متميز فاقت نسبة مشاركته طبقًا للتقديرات الأولية النسبة التى شاركت فى الاستفتاء على الدستور المعدل ذاته، بل كشفت بعض المؤشرات المبدئية عن وصول نسبة التصويت بنعم إلى ما يتجاوز 90%، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء، فهل صحيح أن نتيجة الاستفتاء على الدستور إذا ما جاءت بالرفض سنُعيد البلاد إلى نقطة الصفر؟ أم إذا ما جاءت بالموافقة نكون قد وصلنا إلى نقطة الصفر؟.

بمعنى أكثر تحديدًا، هل تُعد نقطة الصفر بداية للتحرك أم انتكاسة على الطريق؟ وتنحصر الإجابة فى أمرين حسبما يقف المرء،.

فإذا اعتبرنا أن هناك خطوات اُتخذت قبل الاستفتاء على الدستور، فتكون نتيجة الاستفتاء بالرفض ردة على ما اُتخذ فى هذا السبيل أى أنها عودة إلى نقطة الصفر.

أما إذا ما اعتبرنا أن الاستفتاء على الدستور هو الخطوة الأولى فى مسار خريطة الطريق التى رسمت ملامحها وقسماتها الثلاثون من يونيو 2013، فالموافقة على الدستور تعنى أننا نقف فى نقطة الصفر وهى نقطة الانطلاق لاستكمال الاستحقاقات التى حددتها خريطة الطريق.

وإذا كانت المؤشرات المتوقعة والتحليلات المسبقة تكشف عن أن نتيجة الاستفتاء ستكون بالموافقة على الدستور، فيصبح سؤال اللحظة، وماذا بعد؟ فكثير ما يستغرقنا الحديث فى الماضى أو تشغلنا قضايا الحاضر، ونتغافل عن متطلبات المستقبل بما قد يفرضه من تحديات وجبّ العمل على مواجهتها، أو ما يوفره من فرص وجبّ السعى لاغتنامها.

ولذا، فمن الواجب أن ينصب فكر الجميع وجهدهم منذ إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة على الدستور على تحديد كيفية استكمال خطوات خريطة الطريق واستحقاقاتها دون الوقوع فى فخ الصراعات والانقسامات التى عانى منها الشعب المصرى على مدار الأعوام الثلاثة السابقة، شريطة أن يعتبر الجميع نتيجة الاستفتاء نقطة الصفر التى تبدأ منها المعركة، فحينما تحدد القيادة العسكرية نقطة الصفر، يعنى ذلك بدء انطلاق المعركة وما يتطلبه ذلك من استعدادات سابقة وترتيبات لاحقة لضمان تحقيق الفوز والانتصار.

وعلى هذا، فالشعب المصرى بمختلف طوائفه وانتماءاته وتكويناته السياسية والاجتماعية مُطالب منذ اليوم التالى لإعلان نتيجة الاستفتاء أن يبدأ فى العمل دون تكاسل أو تباطؤ وإلا دخلت البلاد فى حلقة مفرغة لا يستطع أحد أن يحدد نهايتها أو يضمن نتائجها.

صحيح أن مرحلة ما بعد الدستور تُعد من أدق المراحل وأهمها فى حياة الدولة لأنها مرحلة تُستكمل فيها بناء بقية مؤسساتها التشريعية والتنفيذية طبقًا لما رسمته التعديلات الدستورية، إلا أن هذا لا يعنى مزيدا من الانتظار لحين الانتهاء من عملية البناء بأكملها فى ظل أوضاع متردية وتهديدات متعددة وتحديات متنوعة، بدءًا من اقتصاد غير قادر على الصمود أو الاستمرار لمدى أكثر من ذلك فى ظل ما يعانيه من أزمات هيكلية، مرورا بإعلان الدولة حربها على الإرهاب وما تستنزفه هذه الحرب من ثروات وموارد وما تهدره من فرص وقدرات كان من الممكن أن تضيف إلى قدرات الدولة وإمكاناتها، وصولا إلى استكمال استحقاقات خريطة الطريق فى ظل هذه العراقيل والمعوقات. 

خلاصة القول إن الاستفتاء على الدستور يجب أن ينظر الجميع إليه على أنه نقطة الانطلاق الأولى لاستكمال بناء الدولة العصرية المنشودة التى ضحى من أجلها خيرة شباب مصر فى ثورتين شعبيتين 25 يناير و30 يونيو، وهو ما يفرض علينا أن نفكر فى الغد برؤى أكثر شمولا، وبخطوات أكثر عملية لأن الشعب الذى عانى على مدار الأعوام الثلاثة الماضية لم يعد يحتمل مزيدا من الصراعات المصلحية أو الطموحات الشخصية.