الشتاء ربيع المؤمن

  • 337

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الله جعل مرور الأوقات تذكرة لعباده المؤمنين، وللمؤمن في كل وقت من الأوقات عبودية لله، ومن سعادة العبد أن يعرف شرف الزمن وقيمة الوقت، وأن يعرف وظائف المواسم حتى يعمرها بطاعة الله -تعالى-، والشتاء ربيع المؤمن كما قال السلف.والمسلم دائمًا يهتم بواجب الوقت الذي هو فيه، ويغتنم الفرص في كل زمان ليحقق عبوديته لله -سبحانه- التي خُلق من أجلها، وزمن الشتاء له واجباته التي يجب على المسلم أن يحافظ عليها. إن فصل الشتاء من المواسم الفاضلة؛ لما فيه من أنواع الطاعات والقربات التي يتقرب بها العبد إلى الله -تبارك وتعالى-، ففيه نفحات يصيب الله بها من يشاء من عباده بفضله ورحمته فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات وتقرب فيها إلى مولاه، وفي الأثر عن أبي سعيد الخدري: "الشتاء ربيع المؤمن".وإنما كان الشتاء ربيع المؤمن؛ لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات ويسرح في ميادين العبادات، ومن هذه العبادات:

أولاً: الصيام:

عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني)، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟ قالوا: بلى، فيقول: الصيام في الشتاء".

ومعنى كونها غنيمة باردة: أنها غنيمة حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقة فصاحبها يحوز هذه الغنيمة بغير كلفة؛ وذلك لأن نهار الشتاء قصير فلا يشعر بمشقة من جوع أو عطش ولذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات.

ثانيًا: قيام الليل:

قال -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) (الزمر:9)، ولما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة كان يحث على قيام الليل وأنه طريق إلى الجنة، فعن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلامٍ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

عن الحسن -رحمه الله- قال: "نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل فيقومه، ونهاره قصير فيصومه"، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "مرحبًا بالشتاء تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام"، وعن عبيد بن عمير أنه كان إذا جاء الشتاء قال: "يا أهل القرآن طال ليلكم لقراءتكم فاقرءوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا".

ثالثًا: إسباغ الوضوء على المكاره:
اعلم أن من الوظائف الفاضلة في موسم الشتاء الوضوء في شدة البرد، وهو إسباغ الوضوء على المكاره، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟)، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) (رواه مسلم)، وفي رواية: (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيُكَفَّرُ بِهِ الذُّنُوبَ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكْرُوهَاتِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكَ الرِّبَاطُ) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).

وإسباغ الوضوء: تمامه على الوجه الأكمل، والمكاره: تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحو ذلك. الواجب

الواجب الرابع: أذكار فصل الشتاء:

الدعاء عند نزول الغيث:

عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدُّعاءِ عندَ الْتقاءِ الجُيُوشِ وإِقامَةِ الصّلاةِ ونُزُولِ الغَيْثِ) (رواه الشافعي والبيهقي، وصححه الألباني)، ومن الدعاء المأثور: (اللهُمَّ اجْعَلْهُ صَيِّبًا هَنِيئًا) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني)، ومن الدعاء: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ) (متفق عليه)، الآكام: الهضاب، والآجام: الحصون، والظراب: الروابي الصغار، ومن الدعاء: (مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ) (متفق عليه).

الدعاء عند هبوب الرياح:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تُسُبُّوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني)، وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
الدعاء عند حدوث الرعد والبرق:
عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: (اللَّهُمَّ لا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الشيخ أحمد شاكر)، و"كَانَ عبد الله بن الزبير إِذا سمع الرَّعْد ترك الحَدِيث وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَة من خيفته، وَيَقُول؛ إِن هَذَا الْوَعيد شَدِيد لأهل الأَرْض"، وكان طاوس التابعي يقول إذا سمع الرعد: "سُبْحَانَ مَنْ سَبَّحْتَ لَهُ".

فينبغي علينا أن نغتنم فصل الشتاء في التقرب إلى الله -تعالى- بأنواع الطاعات والقربات، والسعيد من عرف وظائف المواسم حتى يعمرها بطاعة الله -تعالى-، والشتاء ربيع المؤمن.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.