مسلمو أنجولا بين الدين والسياسة

  • 251

أثار قرار الحكومة الأنجولية بإغلاق المساجد وهدمها، موجة واسعة من الاعتراضات، والإدانات الدولية، والإقليمية، والمحلية، خاصة وأنها ليست المرة الأولى، التي تُقدم فيها الدولة على مثل هذه الخطوة، بل سبق وأن قامت بهدم بعض المساجد، فضلاً عن ممارسة سياسة تضييقية على المسلمين هناك، طبقًا لما ورد في تقارير حقوقية دولية.

كما هو الحال تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، بشأن الحريات الدينية في العالم لعام 2009، حيث أشار إلى أن الحكومة الأنجولية تشعر بالقلق تجاه الإسلام، وأنها ستحقق في جميع أنشطة المساجد، معتبرة أن الإسلام لا يتوافق مع ثقافة، وتقاليد البلاد، وخَلُص التقرير إلى أن مواقف السلطات الأنجولية تجاه الإسلام تتسم بالسلبية، وهو الأمر الذى تكرر أيضًا في ذات التقرير لعام 2011، حيث أفاد أن الحكومة الأنجولية تفرض قيودًا تؤثر على المنتمين للأقليات الدينية في البلاد، وممارستهم لشعائرهم؛ حيث تفرض حدًا أدنى لعدد المنتمين لأي ديانة، من أجل أن تعترف بها رسميًا، ولا تعترف الحكومة سوى بـ 83 مجموعة دينية فقط في البلاد، ولكنها لم تسجل أية مجموعات دينية، أو أديان أخرى منذ عام 2004م، وقد تقدمت أكثر من 900 منظمة بطلبات لتسجيلها رسميًا في البلاد منذ عام 1991م، ولكن محاولاتها باءت بالفشل، بما في ذلك المجموعات الدينية الإسلامية، حيث تسمح الحكومة لهذه الجماعات بأن تتواجد، وأن تعمل وأن تنمو، ولكن بدون أي اعتراف رسمي بها.


 ماذا يعنى ذلك؟ يعنى أن الحكومة الانجولية تترك سيفها المسلط على رقاب المواطنين، دون أن تمنحهم المشروعية القانونية؛ لممارسة شعائرهم الدينية وذلك؛ كي تتمكن من قمعهم وقتما تشاء، دون أن تكون تسجل في حقها أية خروقات أو انتهاكات للقانون.

ولكن ما يهم في تلك اللحظة، التي تواجه فيها الأقلية المسلمة في أنجولا انتهاكات واسعة، أن يكون للعالم العربي، والإسلامي وقفة جادة، وحقيقة تتجاوز خطابات الإدانة، والشجب، التي تتكرر في كل مرة يتعرض فيها المسلمين لانتهاكات جمة، كما حدث، وما زال بحق مسلمي ميانمار (بورما) على سبيل المثال، وهو ما يستوجب تسجيل ملاحظات ثلاثة، تضع القارئ في قلب الحدث، والسياسيين أمام مسئوليتهم، وشعوبهم، وذلك على النحو التالي:


أولاً-أنجولا دولة في جنوب القارة الأفريقية، لها حدود مع ناميبيا جنوبًا، والكونجو شمالاً، وزامبيا شرقًا، والمحيط الأطلنطي غربًا، ويبلغ عدد سكانها نحو 18.5 مليون نسمة، 55% منهم كاثوليك، و10% بروتستانت، و25 % طوائف مسيحية أفريقية، و5% يتبعون كنائس إنجيلية برازيلية، وتوجد بها أقلية مسلمة تبلغ حوالي 90 ألف نسمة، معظمهم مهاجرون من بلدان غرب أفريقيا ومن لبنان.
ورغم ما يشير إليه البعض من أن تاريخ وصول الإسلام إلى أنجولا يرجع إلى 40 سنة، ووصلها عن طريق جارتها الأفريقية جمهورية زائير، وذلك أثناء ثورة الأنجوليين ضد البرتغال، حيث لجأ فريق كثير العدد إلى زائير، وهناك اعتنق البعض من هؤلاء الإسلام، وعادوا إلى البلاد بعد استقلالها، وتلقى هؤلاء المسلمون مبادئ الإسلام، وبعض التعليم الإسلامي في زائير، إلا الوقائع على الأرض تؤكد على أن الإسلام دخل انجولا قبل هذا التاريخ بزمن بعيد؛ بل حتى قبل وصول الاستعمار الأوروبي، ففي أنجولا يوجد شارع يسمى شارع (مورتالا محمد )، أي (الشهيد محمد) ، وهو كما يروى أنه رجل مسلم، دافع عن أنجولا ضد الغزاة الهولنديين، الذين استعمروا أنجولا قبل البرتغاليين،  وأستمر في حربه معهم، حتى أستشهد.
 كما يوجد في أنجولا جزيرة تسمى (موسولو)، وهي محرفة عن (مسلمو) أي المسلمون.


وبقطع النظر عن تحديد هذا التاريخ، إلا أن الدولة الانجولية لم تعترف بالإسلام كدين دستوري، وشرعي كما جاء في تصريح وزيرة الدولة للثقافة،" روزا كروز"، التي أكدت أنه "لم يتم بعد إجازة الإسلام، وممارسة المسلمين لشعائرهم قانونيًا من قبل وزارة العدل، وحقوق الإنسان، لذا سيتم غلق مساجدهم حتى إشعار آخر"، وهو ما يعنى أن وجود بعض المساجد الصغيرة، والمتواضعة، والتي لم يتجاوز عددهما 32 مسجدًا أمر مخالف لدستور البلاد وقانونها، فهل يتفق ذلك مع الاتفاقيات الدولية، التي تحمى الحقوق، والحريات، وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة؟

ثانيًا- يظل رد فعل المنظمات العربية، والاسلامية بدءًا من منظمة التعاون الإسلامي، مرورًا باتحاد علماء المسلمين، وصولاً إلى مؤسسة الأزهر الشريف، فضلاً عن ردود فعل الدول الإسلامية، وقادتها دون المأمول بل مخيبًا للآمال، فلم نجد ثمة رد فعل، يقدم على اتخاذ خطوات حقيقية؛ لمواجهة تلك الأزمة، التي تعصف بالأقلية المسلمة في انجولا، وهو موقف لم يختلف كثيرًا عما سبقه من مواقف، تخاذلت فيها مثل هذه المؤسسات، والدول عن أداء دورها، فحينما تطالب منظمة التعاون الإسلامي على سبيل المثال، من المنظمات الدولية والاقليمية اتخاذ مواقف تجاه ما يجرى في أنجولا، ويقتصر موقف دولها على مجرد الإدانة، فإن التساؤل الذي يتبادر إلى أذهان المسلمين كافة، ما هو إذن دور هذه المنظمة؟ وما هي جدوى وجودها، إذا اقتصر موقفها على الإدانات والمطالبات والمناشدات؟ وأين دور الدول الاسلامية الفاعلة في تلك المنظمة؟ فصحيح أن أنجولا ليست عضوًا في هذه المنظمة، إلا أنه من الصحيح أيضًا أنه وفقًا لميثاق الأمم المتحدة في فصله الثامن الخاص بالمنظمات الإقليمية، يمكنها أن تبادر إلى اتخاذ الفعل، تجاه ما يمكن أن يمثل انتهاكًا للمبادئ الدولية الواردة في الميثاق، أو مهددًا السلم والأمن الدوليين، كما حدث إبان الأزمة الليبية ودور المنظمة الإقليمية مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية-في تحريك المجتمع الدولي، إزاء الانتهاكات التي مارسها نظام القذافي حيال شعبه.
وهو ما يدفعنا إلى القول بأن النظام الدولي نظام قائم على الكيل بمكيالين، في التعامل مع قضايا ومشكلات دوله بصفة عامة، ومع قضايا المسلمين على وجه الخصوص.


فنظرة سريعة إلى ما يعاني منه المسلمين في بعض البلدان، نجد إما صمتًا دوليًا، أو مطالبة لفظية، أو إدانة سياسية، أو شجب إنساني، دون أن نشهد أية تحركات على أرض الواقع؛ لإنقاذ ما يتعرض له المسلمون من اضطهادات واعتداءات.
ثالثًا- ليست مبالغة القول إن ما وصل إليه أحوال المسلمين في مختلف بقاع الأرض نتحمل جميعًا مسئوليته، سواء بسبب سلوكيات بعض الجماعات، التي أساءت إلى الإسلام، وروحه، وعدالته، وسماحته بممارستها للإرهاب، والعنف بما خلق حالة من الخلط لدى قطاع عريض من الرأي العام العالمي، يربط بين الإسلام والإرهاب، رغم النفي القطعي لإمكان وجود أية روابط بينهما، وإن كان سلوك بعض الجماعات، أوجد مثل هذه الحالة من الخلط، وهو ما يتطلب منا الإسراع لتصحيح الصورة، وتوضيحها للتميز بين الإسلام كدين، وبين سلوكيات المسلمين، التي قد تُخطئ وتُصيب.
 

كما أننا نتحمل المسئولية أيضًا؛ لتخاذلنا عن نصرة قضايانا، واعتمادنا على الغير في حلها، دون أن نتجاسر بتحمل الأعباء المتطلبة في هذا الخصوص، فضلاً عن تشرذمنا، وصراعتنا البينية، دون أن ننتبه إلى ما يحاك لنا في ظلم الليل. وبعيدًا عن نظرية المؤامرة، التي يحاول البعض توظيفها؛ لإبراء ذممنا، إلا أنه من الصعوبة بمكان أن نتغافل عن وجودها، كأحد أسباب قضايانا، ولعل الأزمة الأخيرة في أنجولا تحمل في تفسير جزء منها بعدًا سياسيًا-اقتصاديًا، وآخر دينيًا، فلا يمكن التغافل عن دور اسرائيلي واضح في تلك الدولة، التي تشهد علاقاتها تناميًا مع الكيان الصهيوني؛ خاصة في المجال الاقتصادي، حيث بدأت تزاحم بعض الشركات اللبنانية المؤثرة في الاقتصاد الانجولي، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى، يظل للبعد الديني في الأزمة دورًا واضحًا، كما جاء على لسان رئيس أنجولا "دوس سانتوس" في معرض تعليقه عما حدث: بأنه "حان الوقت لوضع حد للتأثير الإسلامي على بلادنا".


خلاصة القول، إن ما يتعرض له مسلمي أنجولا لم تكن المرة الأولى، التي تمارس انتهاكات، واضطهادات ضد أقليات مسلمة، ولن تكن الأخيرة، سواء في القارة الإفريقية، أو خارجها، بما يستوجب دورًا فاعلاً للدول الإسلامية الرئيسية، وعلى رأسهم إندونيسيا كأكبر دولة إسلامية في العالم، والمملكة العربية السعودية بمكانتها الدينية والروحية، ومصر بأزهرها الشريف، وبمكانها، ومكانتها، وتاريخها في القارة الإفريقية، وبدورها الفاعل في مختلف تنظيماتها الإقليمية.