متى تستفيد الحركة الإسلامية من تجاربها (1)

  • 190

إن الذى يطالع تاريخ الحركة الإسلامية وما مرت به من أحداث وما لاقته من محن يلحظ أول ما يلحظ عدم الاستفادة من التجارب وعدم الاعتبار بالتاريخ حتى أدى ذلك إلى تكرار الأخطاء وبصورة تسهل على أعدائها بلوغ مراميهم وتمكنهم من ضربها بسهولة ويسر.
ولم لا وقد عرفوا من أين يأتونها وكيف يجرونها لما يريدون حتى تكون المبررات، ونحن بالطبع لانستغرب مكر الأعداء وكيدهم، وهل ينتظر منهم إلا ذلك؟
ولكن ما يثير الغرابة حقا، بل يقطع القلب من الألم هوغفلة الكثيرين من أبناء الصحوة، بل للأسف ممن يقودون مسيرتها، عن دروس التاريخ وعبره حتى أضحت التجارب الفاشلة مكررة والصفحات الأليمة معادة بكل ما فيها من أخطاء، فطابق يومنا أمسنا، ومن ثم سهل على أعدائنا وضع المخططات لمواجهة غدنا بعد أن أعطيناهم مفاتيح حصوننا.
 
وإن تعجب فعجب ما صدع به أقوام رءوسنا من الحكايات عن الخبرة والحنكة والدهاء السياسي! ليس ما ذكرت آنفا ادعاء بل حقيقة مؤلمة، سأسوق لك الآن ما يبرهن على صحتها وذلك من خلال التعريج على بعض تجارب الماضي ومقارنتها بما يحدث الآن وبإجمال لأن التفصيل يحتاج إلى كتب ومجلدات فأقول لك طالع تجربة (الإخوان المسلمين) فى الخمسينيات وكيف أداروا الأزمة آنذاك وما صاحب ذلك من أخطاء قاتلة وفقدان للرؤية التي تجمع بين التأصيل الشرعي والواقع المرعي مع الغرور الشديد والثقة الزائدة بالنفس والاستهانة الشديدة بالمخالف وعدم الدقة فى حساب موازين القوة والضعف وعدم الإصغاء لصوت العقلاء من أبناء الجماعة بل وتخوينهم. 
فكانت النتيجة توجيه الضربات القاصمة للجماعة وتمكين العسكر من الحكم وخلو الساحة للشيوعية والإلحادية لتغزو عقول الكثيرين من أبناء المسلمين فذاقت الأمة الأمرين من جراء ذلك ومازالت تعاني حتى هذه اللحظة، وراجع إن شئت هذه التجربة من خلال ما سطره بعض قادتهم ككتاب (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) للأستاذ محمود عبدالحليم عضو مكتب الإرشاد السابق، لترى مصداق كلامنا ثم قارن ما حدث فى تلك الحقبة بما يحدث الآن وتراه بعينى رأسك لترى استنساخا للتجربة بتمامها وكمالها، لم يتغير فيها إلا الأسماء مع العلم أنه لم يكن فى ذلك الوقت، أعني فترة الخمسينيات، في الساحة إلا الإخوان، أعنى على ساحة العمل السياسي وليس الدعوي؛ فالجماعة هي التي تتصدر المشهد والحركة الإسلامية دون مزاحمة من أحد، أقول هذا لأنه لو كان معهم آنذاك فصيل آخر لحملوه مسئولية ماحدث ولنسبوا إليه ما عانت منه الأمة طيلة الخمسينيات، وتصدرت المشهد هي هي التى تدير الآن وبنفس الأخطاء، فمن يا ترى يتحمل مسئولية ما يحدث الآن؟
أترك الإجابة لكل منصف تجرد من الهوى وسلم من التعصب ومن التجارب المريرة.

كذلك تجربة العنف والصدام المسلح والتي من أشهرها تجربة الثمانينيات والتسعينيات في مصر أعني (تجربة الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد) حيث رأى القوم أن الصدام المسلح سيوصل إلى المقصود وبدون مراعاة للضوابط الشرعية وأحكام الجهاد وعدم التفريق بين حالتي القدرة والعجز ولم يستجيبوا لنصح الناصحين من العلماء والدعاة، ومضى أصحاب هذه الرؤية من جهتهم حتى النهاية فكانت العواقب الوخيمة والمفاسد الجسيمة:
أريقت الدماء، وعطلت المساجد، وصودرت الدعوات، وفقدت الصحوة فلذات أكبادها بغير طائل ولا فائدة، وبعد كل هذه الآثار الوخيمة أدرك اصحاب تلك الموجهة خطأ وجهتهم فكانت المراجعات والمبادرات هذا فى مصر، أما عن تجربة الجزائر فحدث ولاحرج.

 ظننا أن العاملين للإسلام قد وعوا دروس الماضى، واستفادوا من التجارب السابقة وأنهم لن يكرروا هذه الأخطاء، لاسيما بعد أن من الله عليهم بما لم يكن فى حسبانهم بعد ثورة يناير، ولكن جاءت الأحداث الحالية لتصدمنا بنفس الخطاب وتفجعنا بنفس الشبهات، لنرى صورة مكررة من الماضى حتى إنك لتذهب نفسك حسرات وتتساءل بكل أسى: متى تبلغ الصحوة رشدها وتستفيد من تجاربها؟ فيا ترى ما أسباب تكرار التجارب رغم فشلها؟ هذا ما سوف نجيب عنه فى المقالات القادمة بمشيئة الله.